الأحوال وتربية الضخامة في الدولة ، ولمّا صارت الأندلس لبني أمية وتوارثوا ممالكها وانقاد إليهم كلّ أبيّ فيها وأطاعهم كلّ عصيّ عظمت الدولة بالأندلس ، وكبرت الهمم وترتّبت الأحوال ، وترتّبت القواعد ، وكانوا صدرا من دولتهم يخطبون لأنفسهم بأبناء الخلائف ، ثم خطبوا لأنفسهم بالخلافة ، وملكوا من برّ العدوة وما ضخمت به دولتهم ، وكانت قواعدهم إظهار الهيبة ، وتمكّن الناموس من قلوب العالم ، ومراعاة أحوال الشرع في كل الأمور ، وتعظيم العلماء ، والعمل بأقوالهم ، وإحضارهم في مجالسهم ، واستشارتهم ، ولهم حكايات في تاريخ ابن حيّان : منها ما هو مذكور من توجّه الحكم على خليفتهم أو على ابنه أو أحد حاشيته المختصّين ، وأنهم كانوا في نهاية من الانقياد إلى الحق (١) لهم أو عليهم ، وبذلك انضبط لهم أمر الجزيرة. ولما خرقوا هذا الناموس كان أول ما تهتّك أمرهم ، ثم اضمحلّ ، وكانت ألقاب الأول منهم الأمراء أبناء الخلائف ، ثم الخلفاء أمراء المؤمنين ، إلى أن وقعت الفتنة بحسد بعضهم لبعض ، وابتغاء الخلافة من غير وجهها الذي رتّبت عليه ، فاستبدّت ملوك الممالك الأندلسية ببلادها ، وسمّوا بملوك الطوائف (٢) ، وكان فيهم من خطب للخلفاء المروانيين وإن لم يبق لهم خلافة ، ومنهم من خطب للخلفاء العباسيين المجمع على إمامتهم ، وصار ملوك الطوائف يتباهون في أحوال الملك ، حتى في الألقاب ، فآل أمرهم إلى أن تلقّبوا بنعوت الخلفاء ، وترفّعوا إلى طبقات السلطنة العظمى ، وذلك بما في جزيرتهم من أسباب الترفّه والضخامة التي تتوزّع على ملوك شتى ، فتكفيهم ، وتنهض بهم للمباهاة. ولأجل توثّيهم على النعوت العباسية قال ابن رشيق القيرواني (٣) : [البسيط]
ممّا يزهّدني في أرض أندلس |
|
تلقيب معتضد فيها ومعتمد |
ألقاب مملكة في غير موضعها |
|
كالهرّ يحكي انتفاخا صولة الأسد |
وكان عبّاد بن محمد بن عبّاد قد تلقّب بالمعتضد ، واقتفى سيرة المعتضد العباسي أمير المؤمنين ، وتلقّب ابنه محمد بن عبّاد بالمعتمد ، وكانت لبني عبّاد مملكة إشبيلية ثم انضاف إليها غيرها.
وكان خلفاء بني أميّة يظهرون للناس في الأحيان على أبّهة الخلافة ، وقانون لهم في ذلك معروف ، إلى أن كانت الفتنة ، فازدرت العيون ذلك الناموس ، واستخفّت به.
__________________
(١) في ب : للحقّ.
(٢) في ب : واستبدوا.
(٣) (ديوان ابن رشيق ص ٥٩ ، وفيات الأعيان).