وقد كان بنو حمّود من ولد إدريس العلوي الذين توثّبوا على الخلافة في أثناء الدولة المروانية بالأندلس يتعاظمون ، ويأخذون أنفسهم بما يأخذها خلفاء بني العباس ، وكانوا إذا حضرهم منشد لمدح أو من يحتاج إلى الكلام بين أيديهم يتكلّم من وراء حجاب ، والحاجب واقف عند الستر يجاوب بما يقول له الخليفة ، ولمّا حضر ابن مقانا الأشبونيّ (١) أمام حاجب إدريس بن يحيى الحمودي الذي خطب له بالخلافة في مالقة ، وأنشده قصيدته المشهورة النونية التي منها قوله : [الرمل]
وكأنّ الشمس لمّا أشرقت |
|
فانثنت عنها عيون الناظرين |
وجه إدريس بن يحيى بن عليّ |
|
بن حمّود أمير المؤمنين |
وبلغ فيها إلى قوله :
انظرونا نقتبس من نوركم |
|
إنه من نور ربّ العالمين |
رفع الخليفة الستر بنفسه ، وقال : انظر كيف شئت ؛ وانبسط مع الشاعر ، وأحسن إليه.
ولما جاء ملوك الطوائف صاروا يتبسّطون للخاصّة وكثير من العامّة ، ويظهرون مداراة الجند وعوام البلاد ، وكان أكثرهم يحاضر العلماء والأدباء ، ويحبّ أن يشهر عنه ذلك عند مباديه (٢) في الرياسة.
ومذ وقعت الفتنة بالأندلس اعتاد أهل الممالك المتفرقة الاستبداد عن إمام الجماعة ، وصار في كل جهة مملكة مستقلة يتوارث أعيانها الرياسة كما يتوارث ملوكها الملك ، ومرنوا على ذلك (٣) ، فصعب ضبطهم إلى نظام واحد ، وتمكّن العدوّ منهم بالتفرّق وعداوة بعضهم لبعض بقبيح المنافسة والطمع ، إلى أن انقادوا إلى عبد المؤمن وبنيه ، وتلك القواعد في رؤوسهم كامنة ، والثوّار في المعاقل تثور ، وتروم الكرّة ، إلى أن ثار ابن هود ، وتلقّب بالمتوكّل ، ووجد القلوب (٤) منحرفة عن دولة برّ العدوة ، مهيأة للاستبداد ، فملكها بأيسر محاولة ، مع الجهل المفرط وضعف الرأي ، وكان مع العامّة كأنه صاحب شعوذة ، يمشي في الأسواق ويضحك في وجوههم ويبادرهم بالسؤال. وجاء للناس منه ما لم يعتادوه من سلطان ، فأعجب ذلك سفهاء الناس وعامّتهم العمياء ، وكان كما قيل : [الوافر]
__________________
(١) هو أبو زيد عبد الرحمن بن مقانا الأشبوني القبذاكي ، وهو من شعراء الذخيرة (المغرب ١ : ٤١٣).
(٢) في ب : مباريه.
(٣) مرنوا على ذلك : تعوّدوه وألفوه.
(٤) في ب : قلوبا.