الوزارتين ، وأكثر ما يكون فاضلا في علم الأدب ، وقد لا يكون كذلك ، بل عالما بأمور الملك خاصّة.
وأما الكتابة فهي على ضربين : أعلاهما : كاتب الرسائل ، وله حظ في القلوب والعيون عند أهل الأندلس ، وأشرف أسمائه الكاتب ، وبهذه السّمة يخصّه (١) من يعظمه في رسالة. وأهل الأندلس كثير والانتقاد على صاحب هذه السّمة ، لا يكادون يغفلون عن عثراته لحظة ، فإن كان ناقصا عن درجات الكمال لم ينفعه جاهه ولا مكانه من سلطانه من تسلّط الألسن في المحافل والطّعن عليه وعلى صاحبه والكاتب الآخر كاتب الزمام ، هكذا يعرفون كاتب الجهبذة (٢) ، ولا يكون بالأندلس وبرّ العدوة لا نصرانيّا ولا يهوديّا البتّة ، إذا هذا الشغل نبيه يحتاج إلى صاحبه عظماء الناس ووجوههم.
وصاحب الأشغال الخراجية في الأندلس أعظم من الوزير ، وأكثر أتباعا وأصحابا وأجدى منفعة ، فإليه تميل الأعناق ، ونحوه تمدّ الأكفّ ، والأعمال مضبوطة بالشهود والنظار ، ومع هذا إن تأثّلت حالته واغترّ بكثرة البناء والاكتساب نكب وصودر ، وهذا راجع إلى تقلّب الأحوال وكيفية السلطان.
وأما خطّة القضاء بالأندلس فهي أعظم الخطط عند الخاصّة والعامّة ، لتعلّقها بأمور الدين ، وكون السلطان لو توجّه عليه حكم حضر بين يدي القاضي ، هذا وصفها (٣) في زمان بني أمية ، ومن سلك مسلكهم ، ولا سبيل أن يتّسم (٤) بهذه السّمة إلّا من هو وال للحكم الشرعي في مدينة جليلة ، وإن كانت صغيرة فلا يطلق على حاكمها إلّا مسدّد ، خاصة ، وقاضي القضاة يقال له : قاضي القضاة ، وقاضي الجماعة.
وأمّا خطة الشّرطة بالأندلس ، فإنها مضبوطة إلى الآن ، معروفة بهذه السّمة ، ويعرف صاحبها في ألسن العامّة بصاحب المدينة وصاحب الليل ، وإذا كان عظيم القدر عند السلطان كان له القتل لمن وجب (٥) عليه دون استئذان السلطان ، وذلك قليل ، ولا يكون إلّا في حضرة السلطان الأعظم ، وهو الذي يحدّ على الزنى وشرب الخمر ، وكثير من الأمور الشرعية راجع إليه ، قد صارت تلك عادة تقرّر عليها رضا القاضي ، وكانت خطة القاضي أوقر وأتقى عندهم من ذلك.
__________________
(١) في ب : يخططه.
(٢) الجهبذ : الخبير بالأمور المميز بين جيدها ورديئها. وجمعه جهابذة. والجهبذة المصدر.
(٣) في ب : وضعها.
(٤) في ب : يتسمى.
(٥) في ب : يجب.