وحكم ـ وهو الفاعل المختار ـ على الجميع بالموت فكان لمبتدئهم خبرا ، فيا له من داء أعيا كلّ معالج أو راق (١).
فسبحانه من إله انفرد بوجوب القدم والبقا ، واختصّ بفضله من شاء فارتقى ، وعمّ تعالى ذوي السعادة والشّقا ، بالحدوث والفنا ، وأذاق من فراق الدنيا كل من فيها بلا ثنيا (٢) فمن وفّق فنفى عن جفنه وسنا ، أو خذل فجرّ في ميدان الاغترار رسنا ، وزين له عياذا بالله سوء عمله فرآه حسنا ، طعم شعوب (٣) المرّ الجنى ، فلم يغن منه عن ذوي الغنى والغنا ، وأهل السناء والسّنا (٤) من استظهروا به من أرباب الصّوارم والقنا ، وأصحاب النظم والنثر والجدال والفخر والمدح والثنا ، فأولئك ألقوا السّلاح مذعنين ، مستبصرين موقنين ، إذ جاء الحق وزهق الباطل وولى الامترا (٥) وهؤلاء تركوا الاصطلاح معلنين ، عالمين أنهم لم يكونوا في التمويه محسنين ، وكيف لا وقد اضمحلّ الغرور والاجترا ، وذهب والله الجور والافتراء ، وبدّل مذق الإطراء (٦) بصدق الإطراق.
وأشكره جلّ وعلا على أن علّم بالقلم ما لم نعلم ، ونبّه بآثاره الدالّة على اقتداره إلى سلوك الطريق الأقوم ، الواضح المعلم ، وأرشد من أشرق فكره وأضا (٧) ، إلى التفويض لأحكام القضا ، ومن ذا يردّ ما أمضى أو ينقض ما أبرم ، والتسليم على كل حال أسلم ، وأمر جلّ اسمه بالتّدبّر في أنباء من مضى ، والنظر في عواقب أحوال الذين زال أمرهم وانقضى ، من صنوف الأمم ، ووبّخ من دجا قلبه (٨) بالإعراض عن ذلك وأظلم ، وشتّان ما بين اللاهي والمتذكر ، والساهي والمتفكر ، والناجي والهالك المتحيّر ، والداجي الحالك والمشرق النّيّر ، وما يستوي الظّلّ والحرور ، والحزن والسّرور ، والظلمات والنور ، ذو البهجة والإشراق.
وأصلي أزكى الصلاة والسلام ، هديّة لحضرة سيد الأنام ، ولبنة التمام ، من زويت (٩) له
__________________
(١) أو راق : أو : عاطفة. راق : اسم فاعل من رقى المريض يرقيه.
(٢) بلا ثنيا : بلا استثناء ، وفي بعض النسخ : بلا ثنا ، والثنا إعادة الشيء مرتين.
(٣) شعوب : اسم للمنية.
(٤) السّناء : الرفعة. والسنا مقصورة بمعنى الضياء.
(٥) الامترا : الامتراء حذفت همزته وهو : الشك ، والارتياب.
(٦) المذق : الكاذب ، ومذق الإطراء : الثناء الكاذب.
(٧) أضا : أضاء ، وحذف الهمزة مراعاة للسجع.
(٨) دجا قلبه : أظلم.
(٩) زويت له الأرض : طويت.