وأما خطة الاحتساب ، فإنها عندهم موضوعة في أهل العلم والفطن ، وكأنّ صاحبها قاض ، والعادة فيه أن يمشي بنفسه راكبا على الأسواق ، وأعوانه معه ، وميزانه الذي يزن به الخبز في يد أحد الأعوان ؛ لأنّ الخبز عندهم معلوم الأوزان للربع من الدرهم رغيف على وزن معلوم ، وكذلك للثّمن ، وفي ذلك من المصلحة أن يرسل المبتاع الصبيّ الصغير أو الجارية الرعناء فيستويان فيما يأتيانه به من السوق مع الحاذق في معرفة الأوزان ، وكذلك اللحم تكون عليه ورقة بسعره ، ولا يجسر الجزار أن يبيع بأكثر أو دون ما حدّ له المحتسب في الورقة ، ولا يكاد تخفى خيانته ، فإن المحتسب يدسّ عليه صبيّا أو جارية يبتاع أحدهما منه ، ثم يختبر الوزن المحتسب ، فإن وجد نقصا قاس على ذلك حاله مع الناس ، فلا تسأل عمّا يلقى ، وإن كثر ذلك منه ولم يتب بعد الضرب والتجريس (١) في الأسواق نفي من البلد. ولهم في أوضاع الاحتساب قوانين يتداولونها ويتدارسونها كما تتدارس أحكام الفقه ؛ لأنها عندهم تدخل في جميع المبتاعات وتتفرّع إلى ما يطول ذكره.
وأما خطة الطواف بالليل وما يقابل من المغرب أصحاب أرباع في المشرق ، فإنهم يعرفون في الأندلس بالدرّابين ؛ لأنّ بلاد الأندلس لها دروب بأغلاق تغلق بعد العتمة ، ولكل زقاق بائت فيه ، له سراج معلّق وكلب يسهر وسلاح معدّ ، وذلك لشطارة عامّتها وكثرة شرّهم ، وإعيائهم (٢) في أمور التلصّص ، إلى أن يظهروا على المباني المشيدة ، ويفتحوا الأغلاق الصعبة ، ويقتلوا صاحب الدار خوف أن يقرّ عليهم أو يطالبهم بعد ذلك ، ولا تكاد في الأندلس تخلو من سماع «دار فلان دخلت البارحة» و «فلان ذبحه اللصوص على فراشه» وهذا يرجع التكثير منه والتقليل إلى شدّة الوالي ولينه ، ومع إفراطه في الشدّة وكون سيفه يقطر دما فإن ذلك لا يعدم ، وقد آل الحال عندهم إلى أن قتلوا على عنقود سرقه شخص من كرم وما أشبه ذلك ، ولم (٣) ينته اللصوص.
وأمّا قواعد أهل الأندلس في ديانتهم ، فإنّها تختلف بحسب الأوقات والنظر إلى السلاطين ، ولكن الأغلب عندهم إقامة الحدود ، وإنكار التهاون بتعطيلها ، وقيام العامّة في ذلك وإنكاره إن تهاون فيه أصحاب السلطان ، وقد يلج السلطان في شيء من ذلك ولا ينكره ، فيدخلون عليه قصره المشيد ولا يعبؤون بخيله ورجله حتى يخرجوه من بلدهم ، وهذا كثير في
__________________
(١) التجريس : الفضح والتشهير ، وأصل هذه المادة الجرس المعروف.
(٢) في ب : وإغيائهم.
(٣) في ب : فلم ينته.