أمكنت طارقا فيها الفرصة فانتهزها لوقته ، وأجاز البحر سنة اثنتين وتسعين من الهجرة بإذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلاثمائة من العرب ، واحتشد معهم من البربر زهاء عشرة آلاف ، فصيّرهما (١) عسكرين ؛ أحدهما على نفسه ونزل به جبل الفتح ، فسمّي جبل طارق به ، والآخر على طريف بن مالك النخعي ، ونزل بمكان مدينة طريف ، فسمّي به ، وأداروا الأسوار على أنفسهم للتحصّن. وبلغ الخبر إلى لذريق فنهض إليهم يجرّ أمم الأعاجم وأهل ملّة النصرانية في زهاء أربعين ألفا ، وزحفوا إليه ، فالتقوا بفحص شريش ، فهزمه الله ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهم. وكتب طارق إلى موسى بن نصير بالفتح وبالغنائم ، فحرّكته الغيرة ، وكتب إلى طارق يتوعّده إن توغّل بغير إذنه ، ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به ، واستخلف على القيروان ولده عبد الله ، وخرج معه حبيب بن منده الفهري (٢). ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب الموالي وعرفاء البربر ، ووافى خليج الزّقاق ما بين طنجة والجزيرة الخضراء ، فأجاز إلى الأندلس ، وتلقّاه طارق فانقاد واتبع ، وأتمّ موسى الفتح ، وتوغّل في الأندلس إلى برشلونة في جهة الشرق وأربونة في الجوف ، وصنم قادس في الغرب ، ودوّخ أقطارها ، وجمع غنائمها. وأجمع أن يأتي المشرق من ناحية القسطنطينية ، ويتجاوز إلى الشام دروبه ودروب الأندلس ، ويخوض بينهما من أمم الأعاجم النصرانية ، مجاهدا فيهم ، مستلحما لهم ، إلى أن يلحق بدار الخلافة. ونمى الخبر إلى الوليد فاشتدّ قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب ، ورأى أنّ ما همّ به موسى غرر بالمسلمين ، فبعث إليه بالتوبيخ والانصراف. وأسرّ إلى سفيره أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع ، وكتب له بذلك عهده ، ففتّ ذلك في عزم موسى ، وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها ، وأنزل ابنه عبد العزيز لسدّها وجهاد عدوّها ، وأنزله بقرطبة فاتّخذها دار إمارة ، واحتلّ موسى بالقيروان سنة خمس وتسعين ، وارتحل إلى المشرق سنة ستّ بعدها بما كان معه من الغنائم والذخائر والأموال على العجل والظّهر. يقال : إن من جملتها ثلاثين ألف رأس من السّبي ، وولّى على إفريقية ابنه عبد الله ، وقدم على سليمان بن عبد الملك فسخطه ونكبه (٣). وثارت عساكر الأندلس بابنه عبد العزيز بإغراء سليمان فقتلوه لسنتين من ولايته ، وكان خيّرا فاضلا ، وافتتح في ولايته مدائن كثيرة. وولي من بعده أيوب بن حبيب اللخمي ، وهو ابن أخت موسى بن نصير ، فولي عليها ستة أشهر. ثم تتابعت ولاة العرب على الأندلس ؛ تارة من قبل
__________________
(١) في ب : فصيرهم.
(٢) في ب : وخرج ومعه حبيب بن أبي عبيدة الفهري.
(٣) سخطه : كرهه وغضب عليه ، ونكبه : أوقع به.