عليها؟ فقال : لم يمكنّي أن أشكرك بكفري من هو أولى بشكري منك ، فقال : من هو؟ فقال : الله عزّ وجلّ ، فأطرق مليّا ثم قال : أستغفر الله ، ورضي عنه.
رجع إلى حديث طارق ـ قال بعض المؤرّخين : كان لذريق ملك الأندلس استخلف عليها شخصا يقال له تدمير ، وإليه تنسب تدمير بالأندلس ، فلما نزل طارق من الجبل كتب تدمير إلى لذريق : إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء هم أم من الأرض ، فلما بلغ لذريق ذلك ـ وكان قصد بعض الجهات البعيدة لغزو له في بعض أعدائه ـ رجع عن مقصده في سبعين ألف فارس ، ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع ، وهو على سريره بين دابّتين ، وعليه مظلّة مكلّلة بالدّرّ والياقوت والزبرجد. فلما بلغ طارقا دنوّه قام في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم حثّ المسلمين على الجهاد ، ورغّبهم ثم قال : أيها الناس ، أين المفرّ؟ البحر من ورائكم والعدوّ أمامكم ، وليس لكم والله إلّا الصدق والصبر ، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام ، في مأدبة اللئام ، وقد استقبلكم عدوّكم بجيشه وأسلحته ، وأقواته موفورة ، وأنتم لا وزر (١) لكم إلّا سيوفكم ، ولا أقوات لكم إلّا ما تستخلصونه من أيدي عدوّكم ، وإن امتدّت بكم الأيام على افتقاركم ، ولم تنجزوا لكم أمرا ، ذهبت ريحكم (٢) ، وتعوّضت القلوب من رعبها منكم الجراءة عليكم ، فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة (٣) هذا الطاغية ، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة ، وإنّ انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت. وإني لم أحذّركم أمرا أنا عنه بنجوة ، ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي ، واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشقّ قليلا ، استمعتم بالأرفه الألذّ طويلا ، فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي ، فما حظّكم فيه بأوفى من حظّي ، وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان ، من بنات اليونان ، الرافلات في الدّرّ والمرجان ، والحلل المنسوجة بالعقيان (٤) ، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان ، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانا ، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا (٥) وأختانا ، ثقة منه بارتياحكم للطّعان ، واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان ، ليكون حظّه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته ، وإظهار دينه بهذه الجزيرة ، وليكون مغنمها خالصة لكم
__________________
(١) لا وزر : لا ملجأ.
(٢) ذهبت ريحكم : كناية عن ضياعكم وضعفكم ، وفي القرآن الكريم (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ).
(٣) المناجزة : القتال.
(٤) العقيان : الذهب الخالص.
(٥) في ب : صهارا.