مالوا معه ، فانتزع الملك من أولاد غيطشة واستبقاهم ، فكانوا هم الذين دبّروا عليه ـ فيما ذكر ـ عندما لقي رجال العرب المقتحمين عليه بالأندلس من تلقاء بحر الزّقاق وعليهم طارق بن زياد مولى موسى بن نصير طماعة منهم في أن يودي ويخلص إليهم ملك أبيهم ، فالتقوا بموضع يدعى وادي لكّة (١) من أرض الجزيرة الخضراء من ساحل الأندلس القبلي مكان عبورهم ، وذلك لسبع خلون من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين من الهجرة ، فانهزم القوط أعظم هزيمة ، وقتل ملكهم لذريق ، وغلبت العرب على الأندلس ، فصارت أقصى فتوحهم من أرض المغرب ، ومصداق موعد نبيّهم ، صلّى الله عليه وسلّم ، الكفيل بفتح ما بين المشرق والمغرب عليهم بوحي الله تعالى إليه أنجزه لهم بفتح الأندلس ، ولله القوّة».
قال : «وقام بأمر العرب بالأندلس منذ فتحت الأمراء المرسلون منهم عليها من قبل أئمة المسلمين بالمشرق طوال دولة بني أميّة ، رضي الله تعالى عنهم ، إلى أن طرأ إليها فلّهم عند غلبة بني العبّاس عليهم ، ودخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، فملكها وأعاد إليها الدولة الأموية التي أورثها عقبه حقبة. فكانت عدّة هؤلاء الأمراء من لدن أوّلهم طارق بن زياد إلى آخرهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري عشرين عاملا ، وعدّة سنيهم بالشمسي خمس وأربعون سنة ، وبالقمري سبع وأربعون سنة غير أشهر» ، انتهى.
وقال في موضع آخر ، نقلا عن الرازي : «وافتتحت الأندلس في أيام الوليد بن عبد الملك ، فكان فتحها من أعظم الفتوح الذاهبة بالصيت في ظهور الملّة الحنيفية ، وكان عمر بن عبد العزيز ـ رضوان الله عليه! ـ متهمّما بها ، معتنيا بشأنها ، وقد حوّلها عن نظر والي إفريقية وجرّد إليها عاملا من قبله اختاره لها ، دلالة على معنيته بها ، ووقعت المقاسم فيها عن أمره وبفضل رأيه» ، انتهى.
وفي الكتاب الخزائني وغيره سياقة فتح الأندلس على أتمّ الوجوه ، فلنذكر ملخّصه ، قالوا : استعمل أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك ـ رحمه الله تعالى! ـ موسى بن نصير مولى عمّه عبد العزيز بن مروان ، ويقال : بل هو بكري ، وذلك أنّ أباه نصيرا أصله من علوج (٢)
__________________
(١) لكّة : مدينة بالأندلس ، قديمة ، من بنيان قيصر اكتبيان ، وعلى نهر لكة هذه التقى لزريق في جموعه من العجم وطارق بن زياد فيمن معه من المسلمين يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان لسنة اثنتين وتسعين من الهجرة فانتصر المسلمون وحازوا عسكر عدوهم (صفة جزيرة الأندلس ص ١٦٩).
(٢) العلج : في الأصل حمار الوحش القوي السمين. ثم أطلق على الضخم الشديد من كفار العجم ثم أطلق على الكافر مطلقا. وجمع العلج : علوج وأعلاج وعلجة.