الجيش بالجيش المتوجّه إلى إلبيرة ، فحاصروا مدينتها غرناطة ، فافتتحوها عنوة ، وضمّوا اليهود إلى قصبة غرناطة ، وصار ذلك لهم سنّة (١) في كل بلد يفتحونه أن يضمّوا يهوده إلى القصبة مع قطعة من المسلمين لحفظها ، ويمضي معظم الناس لغيرها ، وإذا لم يجدوا يهودا وفّروا عدد المسلمين المخلّفين لحفظ ما فتح ، ثم صنعوا عند فتح كورة ريّة التي منها مالقة مثل ذلك.
ومضى الجيش إلى تدمير ، وتدمير : اسم العلج صاحبها ، سمّيت به ، واسم قصبتها أريولة ، ولها شأن في المنعة ، وكان ملكها علجا داهية ، وقاتلهم مضحيا ، ثم استمرّت عليه الهزيمة في فحصها ، فبلغ السيف في أهلها مبلغا عظيما أفنى أكثرهم ولجأ العلج إلى أريولة في يسير من أصحابه لا يغنون شيئا ، فأمر النساء بنشر الشعور وحمل القصب والظهور على السور في زيّ القتال متشبّهات بالرجال ، وتصدّر قدّامهنّ في بقية أصحابه يغالط المسلمين في قوته على الدفاع عن نفسه ، فكره المسلمون مراسه (٢) لكثرة من عاينوه على السور ، وعرضوا عليه الصلح ، فأظهر الميل إليه ، ونكّر زيّه ، فنزل إليهم بأمان على أنه رسول ، فصالحهم على أهل بلده ، ثم على نفسه ، وتوثق منهم ، فلما تمّ له من ذلك ما أراد عرّفهم بنفسه ، واعتذر إليهم بالإبقاء على قومه ، وأخذهم بالوفاء بعهده ، وأدخلهم المدينة ، فلم يجدوا فيها إلّا العيال والذّرّيّة ، فندموا على الذي أعطوه من الأمان ، واسترجحوه (٣) فيما احتال به ، ومضوا على الوفاء له ، وكان الوفاء عادتهم ، فسلمت كورة تدمير من معرّة المسلمين بتدبير تدمير ، وصارت كلّها صلحا ليس فيها عنوة ، وكتبوا إلى أميرهم طارق بالفتح ، وخلّفوا بقصبة البلد رجالا منهم ، ومضى معظمهم إلى أميرهم لفتح طليطلة.
قال ابن حيّان : وانتهى طارق إلى طليطلة دار مملكة القوط ، فألفاها خالية قد فرّ عنها أهلها (٤) ولجؤوا إلى مدينة بها خلف الجبل ، فضمّ اليهود إلى طليطلة ، وخلّف بها رجالا من أصحابه ، ومضى خلف من فرّ من أهل طليطلة فسلك وادي الحجارة ، ثم استقبل الجبل فقطعه من فجّ سمّي به بعد ، فبلغ مدينة المائدة خلف الجبل ، وهي المنسوبة لسليمان بن داود ، عليهما الصلاة (٥) والسلام ، وهي خضراء من زبرجد (٦) ، حافاتها منها وأرجلها ، وكان لها ثلاثمائة وخمسة وستّون رجلا ، فأحرزها عنده ، ثم مضى إلى المدينة التي تحصّنوا بها خلف الجبل ، فأصاب بها حليا ومالا ، ورجع ولم يتجاوزها إلى طليطلة سنة ثلاث وتسعين. وقيل :
__________________
(١) في ب : سنّة متبعة.
(٢) كرهوا مراسه : أي كرهوا قتاله لشدته وقوته.
(٣) استرجحوه : عدّوه راجح العقل.
(٤) في ب : أهلها عنها.
(٥) الصلاة و: ساقطة في ب.
(٦) في ب : زبرجدة.