حسنة مطوّلة ذكر فيها السبب في غزوها نظما ، وتفصيل الوقائع بين المسلمين وأهلها ، وعداد الأمراء عليها وأسماءهم ، فأجاد وتقصّى ، وهي بأيدي الناس موجودة انتهى.
وقد عرفت بما سبق تفصيل ما أجمله ابن خلدون ، والروايات في فتح الأندلس مختلفة ، وقد ذكرنا نحن بحسب ما اقتضاه الوقت ما فيه كفاية ، وأشرنا إلى بعض الاختلاف في ذلك ، ولو بسطنا العبارة في الفتح لكان وحده في مجلد أو أكثر.
وعلم مما ألمعنا به من كلام ابن خلدون السابق ذكر الولاة للأندلس من لدن الفتح ، وهم من قبل بني مروان بالمشرق المنفردين بإمامة المسلمين أجمعين قبل تفرّقهم ، إلى أن انقرضت دولتهم العظيمة التي هي ألف شهر ، فاقتطع الأندلس عن بني العباس الدائلين (١) على بني مروان الناسخين لهم فلّ المروانيين (٢) عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ، واقتعدها دار مملكة مستقلّة لنفسه ولأعقابه (٣) ، وجمع بها شمل بني أميّة ومواليهم ، وأورثها بنيه حقبة من الدهر ، بعد أن قاسى في ذلك خطوبا ، واجتمع عليه ثم على ذرّيّته من بعده أهل الأندلس أجمعون رضا بهم دون بني العباس ، بعد أن حاول بنو العباس ملكها بأن ولّوا بعض رؤساء العرب ، وأمروهم بالقيام على عبد الرحمن والدعاء للعباسيين القاطعين جرثومة (٤) دولة بني مروان ، فلم يتيسّر ذلك ، وظفر عبد الرحمن بمن نصب له الحرب في ذلك ، وقتل منهم آلافا ، وذلك في مدة المنصور كما سيأتي إن شاء الله تعالى عند ذكر عبد الرحمن الداخل في موضع آخر ، وسنذكر قريبا ولاة الأندلس من حين الفتح إلى إمارة الداخل ، وإن سبق في كلام ابن خلدون.
وقال بعضهم : كانت ولادة موسى بن نصير في خلافة عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، سنة تسع عشرة من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة وأجلّ السلام ، وعلى آله وصحبه أجمعين! انتهى.
وقال الحجاري في «المسهب» : يحكى أنّ موسى بن نصير ألقى بنفسه على يزيد بن المهلب لمكانه من أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك ، وطلب منه أن يكلّمه في أن يخفّف عنه ؛ فقال له يزيد : أريد أن أسألك فأصغ إليّ ؛ قال : سل عمّا بدا لك ، فقال له : لم أزل أسمع عنك أنك من أعقل الناس ، وأعرفهم بمكايد الحروب ومداراة الدنيا ، فقل لي : كيف
__________________
(١) دالت له الدولة : صارت له ، ودال الدهر : انقلب من حال إلى حال والدائلون على بني أمية : أي الذين كانت لهم الدولة والغلبة عليهم.
(٢) فلّ المروانيين : أي المنهزم منهم. يقال : رجل فلّ وجماعة فلّ.
(٣) أعقابه : ذريته.
(٤) جرثومة الشيء : أصله.