أمرها (١) بالجدّ والعزم ، وضبطها ضبطا أمّن خائفها ، ورفع طارق تلك الفتنة وطائفها ، وخلا له الجو فطار ، وقضى اللّبانات والأوطار ، فعادت له قرطبة إلى أكمل حالتها ، وانجلى به نور جلالتها ، ولم تزل به مشرقة ، وغصون الآمال فيها مورقة ، إلى أن توفي سنة ٤٣٥ فانتقل الأمر إلى ابنه أبي الوليد ، واشتمل منه على طارف وتليد. وكان لأبي الحزم أدب ووقار وحلم سارت به الأمثال ، وعدم فيها المثال ، وقد أثبتّ من شعره ما هو لائق ، وفي سماء الحسن رائق ، وذلك قوله في تفضيل الورد (٢) : [الكامل]
الورد أحسن ما رأت عيني وأز |
|
كى ما سقى ماء السّحاب الجائد (٣) |
خضعت نواوير الرّياض لحسنه |
|
فتذلّلت تنقاد وهي شوارد (٤) |
وإذا تبدّى الورد في أغصانه |
|
يزهو ، فذا ميت وهذا حاسد |
وإذا أتى وفد الرّبيع مبشّرا |
|
بطلوع وفدته فنعم الوافد |
ليس المبشّر كالمبشّر باسمه |
|
خبر عليه من النّبوّة شاهد |
وإذا تعرّى الورد من أوراقه |
|
بقيت عوارفه فهنّ خوالد |
انتهى المقصود منه.
وكأنه عارض بهذه الأبيات في تفضيل الورد قول ابن الرومي في تفضيل النرجس عليه من قصيدة : [الكامل]
للنرجس الفضل المبين وإن أبى |
|
آب وحاد عن الحقيقة حائد |
وهي مشهورة.
وردّ على ابن الرومي بعضهم بقوله : [الكامل]
يا من يشبّه نرجسا بنواظر |
|
دعج تنبّه إنّ فهمك فاسد |
إلخ ، وهي أيضا مشهورة.
رجع إلى ما كنّا فيه : وكانت لأهل الأندلس بين زمان الفتح وما بعده وقائع في الكفّار
__________________
(١) في ب : ودبّرها.
(٢) في نسبة هذه الأبيات إلى ابن حزم نظر وقد أوردها ابن الأبار لأبي النصر الفتح بن عبيد الله الإشبيلي (راجع الحلة السيراء لابن الأبار ص ٣٠٣).
(٣) الجائد : اسم فاعل من جاد المطر إذا غزر وهمى.
(٤) نواوير : جمع نوارة ، وهي الزهرة البيضاء ، أو الزهرة مطلقا.