ترنا من الفرقة ما رأينا ، ولم تسلّط عدوّك وعدونا علينا ، لكن أنت أرحم من أن تؤاخذنا بما جنينا ، وأكرم من أن لا تهب حقوقك إلينا (١).
وأشرت أيها الأخ الكريم إلى استراحة إليّ ، وتنسّم بما لديّ ، لتبرّد ـ كما زعمت ـ حرّ نفس ، وتقدح زناد قبس ، وهيهات صلد الزند (٢) ، وذوى العرار والرّند ، وأقشع الشؤبوب ، وركد ما كان يظنّ به الهبوب ، فالقلم دفين لا يحشر ، وميّت لا ينشر ، والطبع قد نكص القهقرى ، وقلّ منزله أن يدعى له النّقرى (٣) ، فها هو لا يملك مبيتا ، ولا يجد لقلمه تثبيتا ، وأنت ـ أبقاك الله عزّ وجلّ! ـ بمقتبل الآداب ، طائر هيعة (٤) الشباب ، وأين سنّ السّموّ من سنّ الانحطاط ، ووقت الكسل من وقت النشاط ، وقد راجعتك لا داخلا في حلبتك ، بل قاضيا حقّ رغبتك ، والله تعالى يجعلك بوسيلة العلم مترقيا ، وبجنّة الطاعة متوقّيّا ، ولهناء الأنفس مستقبلا ومتلقيا! بمنّه ، والسلام ، انتهى.
وكتب ، رحمه الله ، إلى سلطان إفريقية الوارث ملك بني عبد المؤمن بتلك النواحي ، المستولي على البلدان والضواحي ، وقد كان لأهل الأندلس أمل في أخذه بثأرهم ، وضمّ انتثارهم ، ما صورته : [الرمل]
شاقة غبّ الخيال الوارد |
|
بارق هاج غرام الهاجد (٥) |
صدق وعد للتلاقي ثم ما |
|
طرقا إلّا بخلف الواعد (٦) |
وكلا الزّورين من طيف ومن |
|
وافد تحت الدياجي وارد |
لم يكن بعد السّرى مستمتع |
|
فيه للرّائي ولا للرائد |
وشديد بثّ قلب هائم |
|
يشتكيه عند ربع هامد |
بالأمير المرتضى عزّ الهدى |
|
وثنى عطف المليّ الواجد |
وبه أصحب ما كان يرى |
|
حاملا أنف الأبيّ الشارد |
إنّما الفخر لمولانا أبي |
|
زكريّاء بن عبد الواحد |
__________________
(١) في ب : لدينا.
(٢) صلد الزند : صوّت ولم تخرج ناره.
(٣) النّقرى ـ بفتحات ـ الدعوة الخاصة ، أما الدعوة العامة فهي الجفلى ـ بفتحات أيضا.
(٤) في ب : ميعة.
(٥) شاقه : أثار شوقه ، والهاجد : النائم ليلا.
(٦) في ب : صدّقا وعد التلاقي.