الذي إليه أويتما ، وفي ظلّه ثويتما ، وعن رأيه تريان ، وبسعيه تسعيان ، فوجهه المبارك لا يعدم رأيه نجحا ، ولا يعدو لصبحه إذا دجا ليل الهمّ صبحا ، انتهى.
وكان أبو المطرّف بن عميرة المذكور كما قال فيه بعض علماء المغرب : قدوة البلغاء ، وعمدة العلماء ، وصدر الجلّة الفضلاء ، وهو أحمد بن عبد الله بن عميرة المخزومي ؛ ونكتة البلاغة التي قد أحرزها وأودعها ، وشمسها التي أخفت ثواقب كواكبها حين أبدعها ، مبدع البدائع التي لم يحظ بها قبله إنسان ، ولا ينطق عن تلاوتها لسان ؛ إذ كان ينطق عن قريحة صحيحة ، ورويّة بدرر العلم فصيحة ، ذلّلت له صعب الكلام ، وصدّقت رؤياه حين وضع سيد المرسلين ، صلّى الله عليه وسلّم ، وهو الذي أوتي جوامع الكلم في يديه الأقلام ، وأصل سلفه من جزيرة شقر ، وولد بمدينة بلنسية ، وروى عن أبي الخطاب بن واجب وأبي الربيع بن سالم وابن نوح والشلوبيني النحوي وابن عات وابن حوط الله ، وغيرهم من الحفّاظ ، وأجازه من أهل المشرق جماعة ، وكان شديد العناية بشأن الرواية فأكثر من سماع الحديث ، وأخذه عن مشايخ أهله ، ثم تفنّن في العلوم ، ونظر في المعقولات وأصول الفقه ، ومال إلى الأدب ، فبرع براعة عدّ فيها من مجيدي النظم ، فأمّا الكتابة فهو فارسها الذي لا يجارى ، وصاحب عينها الذي لا يبارى ، وله وعظ على طريقة ابن الجوزي ، ورسائل خاطب بها الملوك وغيرهم من الموحّدين والحفصيين ، وله تأليف في كائنة ميورقة وتغلّب الروم عليها ، نحا في الخبر عنها منحى الإمام الأصبهاني في «الفتح القدسي» وله كتاب تعقّب فيه على الفخر الرازي في كتاب «المعالم» وله كتاب ردّ به على كمال الدين الأنصاري في كتابه المسمّى «بالتبيان» ، في علم البيان ، المطّلع على «إعجاز القرآن» وسمّاه «بالتنبيهات ، على ما في البيان من التمويهات» ، وله اختصار نبيل من تاريخ ابن صاحب الصلاة ، وغير ذلك.
ورد ـ رحمه الله! ـ حضرة الإمامة مرّاكش صحبة أمير المؤمنين الرشيد حين قفوله من مدينة سلا ، واستكتبه مدّة يسيرة ، ثم صرفه عن الكتابة ، وقلّده قضاء هيلانة ، ثم نقله إلى قضاء سلا ، ثم نقله السعيد إلى قضاء مكناسة الزيتون ، ثم قصد سبتة ، وأخذ ماله في قافلة بني مرين ، ثم توجّه إلى بلاد إفريقية ، ووصف حاله في رسالة خاطب بها ابن السلطان أبا (١) زكريا الحفصي ، وهو أبو زكريا ابن السلطان أبي زكريا ، وكان صاحب بجاية لأبيه ، ولم يزل ـ رحمه الله تعالى ـ مذ فارق الأندلس متطلّعا لسكنى إفريقية ، معمور القلب بسكناها ، ولمّا قدم تونس مال إلى صحبة الصالحين والزّهّاد وأهل الخير برهة من الزمان ، ثم استقضي بالأربس من
__________________
(١) في ب : أبي.