انتهى ما تلخص من «تحفة القادم» في ذكر ابن عميرة أبي المطرف.
ومما كتب أبو المطرف ـ رحمه الله! ـ وفي أثنائه إشارة إلى الكفّار الغالبين على بلاد الأندلس ، ما نصّه : [الطويل]
ألا إنّ شخصينا على القطع واحد |
|
وجاحد هذا للضرورة جاحد |
فإن لم تصدّق ما نطقت بصدقه |
|
فإنك لي لاح وللودّ لاحد (١) |
ومعاذ الله ، عزّ وجلّ ، أن تلحاني ، أو تمنع أنفك ريح ريحاني ، وكيف تصدّ عنّي بوجهك ، أو تشحذ لي غرب نجهك (٢) ، وأنا على غيبك أمين ، ولشمالك يمين ، ولكم دعوت بي فأجبت ، واستغنيت عني فحجبت ، وأردت الاستبداد فما استطعت ، ونعتّ الوداد فما أحسنت النعت ، وإنما تحمد فراهة الأعوجيّ (٣) إن جرى ، وتذكر فضيلة ابن السّري إذا سرى ، فأما الاقتصار على عظم باد ، والانتظار لعين عدمت السواد ، فخطأ من القائل ، وخطل عند العاقل (٤) ، ولله درّ أخيك من مغمض طرف التطرّف ، قارىء أدب الصحبة على السبعة الأحرف ، كرع (٥) في أعزّ مورد ، وتواضع في شرف مولد ، وسما بنفسه عن أن يستخفّه نسب يرفعه ، وحسب ما منّا أحد يدفعه ، وكذلك الكرام يرون عليهم حقّا ، ويتوقّون من لم يكن من الكبر موقّى ، ولعهدي به وظلّ الثروة بارد ، وشيطان الشيبة مارد ، وبشره في الملمّات يرفّ ، وقدمه إلى الحاجات تخفّ ، يصون عرضه بماله ، ويخفي صدقة يمينه عن شماله ، ويقسّم جسمه في جسوم (٦) ، ويقوم بالحقوق غير ملول ولا ملوم ، تلك المكارم لا قعبان (٧) ، وما تستوي البدنة المهيضة (٨) مع غيرها في القربان ، وعرضت بذكر العصر الخالي ، والقصر العالي ، وظل من فنن وريق ، وعيش مع أكرم فريق ، وما تذكر من زمن تولّى؟ وعهد على أن لا يعود تألّى ، فارقناه أحسن ما كان ، وودّعنا به الأطيبين الزمان والمكان ، فعفت الرسوم ، وأفلت تلك النجوم ، ورمتنا عن قوسها الروم ، ثم خلفتنا في المغاني ، وقسمتنا بين الأسير والعاني ، فأودى القلّ والكثر ، واشتفى من الإسلام الكفر ، فكم كأس أنس أرقناه ، ومنزل فرقة
__________________
(١) لاح : لائم. ولاحد : دافن.
(٢) النجه : الردع والانتهار.
(٣) الأعوجي : نسبة إلى أعوج ، وهو من كرائم الخيل.
(٤) الخطل : الحمق ، الخفة.
(٥) كرع : شرب.
(٦) أخذ هذا من قول عروة بن الورد :
أقسم جسمي في جسوم كثيرة |
|
وأحسو قراح الماء والماء بارد |
(٧) أخذ هذا من قول أمية بن أبي الصلت :
تلك المكارم لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا |
(٨) المهيضة : المكسورة.