وبالإسكندرية من أرض المشرق ، ونزل بها جمع منهم ، ثم ثاروا بها ، فزحف إليهم عبد الله بن طاهر صاحب مصر للمأمون بن الرشيد ، وغلبهم ، وأجازهم إلى جزيرة أقريطش (١) ، فلم يزالوا بها إلى أن ملكها الإفرنج من أيديهم بعد مدّة.
وكانت في أيام الحكم حروب وفتن مع الثوّار المخالفين له من أهل طليطلة وغيرهم.
وفي سنة ثنتين وتسعين جمع لذريق بن قارله ملك الفرنج جموعه ، وسار إلى حصار طرسونة (٢) ، فبعث الحكم ابنه عبد الرحمن في العساكر ، فهزمه ، ففتح الله على المسلمين ، وعاد ظافرا.
ولمّا كثر عيث الفرنج في الثغور بسبب اشتغال الحكم بالخارجين عليه سار بنفسه إلى الفرنج سنة ست وتسعين ، فافتتح الثغور والحصون ، وخرّب النواحي ، وأثخن في القتل والسبي والنهب ، وعاد إلى قرطبة ظافرا.
وفي سنة مائتين بعث العساكر مع ابن مغيث إلى بلاد الفرنج فخرّب وهدم عدّة حصون ، وأقبل عليه أليط ملك الجلالقة في جموع عظيمة ، وتنازلوا على نهر ، واقتتلوا عليه أياما ، ونال المسلمون منهم أعظم النّيل ، وأقاموا كذلك ثلاث عشرة ليلة ، ثم كثرت الأمطار ، ومدّ النهر ، وقفل المسلمون ظافرين ظاهرين.
وهو أول من جنّد الأجناد ، واتّخذ العدّة ، وكان أفحل بني أمية بالأندلس ، وأشدّهم إقداما ونجدة ، وكان يشبّه بأبي جعفر المنصور من خلفاء بني العباس في شدّة الملك وتوطيد الدولة وقمع الأعداء. وكان يؤثر الفقيه زياد بن عبد الرحمن (٣). وحضر يوما عنده ، وقد غضب فيه على خادم له لإيصاله إليه كتابا كره وصوله ، فأمر بقطع يده ، فقال له زياد : أصلح الله الأمير! فإن مالك بن أنس حدّثني في خبر رفعه أن «من كظم غيظا يقدر على إنفاذه ملأه الله تعالى أمنا وإيمانا يوم القيامة» فأمر أن يمسك عن الخادم ، ويعفى عنه ، فسكن غضبه ، وقال : الله إنّ مالكا حدّثك بهذا؟ فقال زياد : الله إنّ مالكا حدّثني بهذا.
__________________
(١) أقريطش : اسم جزيرة في بحر المغرب ، يقابلها من بر إفريقيا لوبيا ، وهي جزيرة كبيرة فيها مدن وقرى ، وينسب إليها جماعة من العلماء (معجم البلدان ١ : ٢٣٦).
(٢) طرسونة : بالأندلس ، كانت مستقر العمال والقواد بالثغور ، وكانت ترد عليها عشر مدينة أربونة وبرشلونة ، ثم عادت طرسونة من بنات تطيلة عند تكاثر الناس بتطيلة (صفة جزيرة الأندلس ص ١٢٣).
(٣) زياد بن عبد الرحمن الملقب بشبطون. قيل إنه أول من أدخل فقه الإمام مالك إلى الأندلس. (الجذوة ص ٢٠٣ ووفيات الأعيان ج ٦ ص ١٤٣ ، ١٤٤).