أما بعد حمد الله مالك الملك ، والصلاة على رسوله المنجي من الهلك ، والرضا عن آله وصحبه الذين تجلّت بأنوارهم الظلم الحلك ، وعن العلماء الأعلام ، الخائضين بحار الكلام ، المستوين من البلاغة على الفلك ـ فيقول العبد الحقير المذنب ، الذي هو إلى رحمة ربّه الغنيّ فقير ، المقصّر المتبرىء من الحول والقوة ، المتمسّك بأذيال الخدمة للسّنّة والنبوّة ، وذلك بفضل الله أمان وبراءة ، الضعيف الفاني ، الخطّاء (١) الجاني ، من هو من لباس التقوى عريّ ، أحمد بن محمد بن أحمد ، الشهير بالمقّريّ ، المغربيّ المالكي الأشعري ، التّلمساني المولد والمنشإ والقراءة ، نزيل فاس الباهرة ثم مصر القاهرة ، أصلح الله أحواله الباطنة والظاهرة ، وجعله من ذوي الأوصاف الزكيّة والخلال الطاهرة ، وسدّد في كل قصد أنحاءه وآراءه ووفّقه بمنّه وكرمه للأعمال الصالحة ، والطاعات الناجحة والرّاجحة ، والمتاجر المغبوطة الرابحة ، والمساعي الغادية بالخير الرائحة ، ووقاه ما بين يده ووراءه ، وكفاه مكر الكائد وافتراءه ، وجدال الحاسد المستأسد ومراءه ، وجعل فيما يرضيه سومه (٢) وشراءه! آمين : إنه لمّا قضى الملك الذي ليس لعبيده في أحكامه تعقّب أو ردّ ، ولا محيد عمّا شاءه سواء كره ذلك المرء أو ردّ ، برحلتي من بلادي ، ونقلتي عن محلّ طارفي وتلادي (٣) ، بقطر المغرب الأقصى ، الذي تمّت محاسنه لو لا أنّ سماسرة الفتن سامت بضائع أمنه نقصا ، وطما به بحر الأهوال فاستعملت شعراء العيث (٤) في كامل رونقه من الزحاف إضمارا وقطعا ووقصا (٥) : [مجزوء الكامل]
قطر كأنّ نسيمه |
|
نفحات كافور ومسك |
وكأنّ زهر رياضه |
|
درّ هوى من نظم سلك |
وذلك أواخر رمضان من عام سبعة وعشرين بعد الألف ، تاركا المنصب والأهل والوطن والإلف : [الخفيف]
بلد طاب لي به الأنس حينا |
|
وصفا العود فيه والإبداء |
فسقت عهده العهاد وروّت |
|
منه تلك النوادي الأنداء (٦) |
__________________
(١) الخطّاء : الكثير الخطأ. مبالغة اسم الفاعل.
(٢) السّوم : عرض البائع البضاعة وذكره ثمنها ، وطلب المشتري البضاعة ومعرفة ثمنها.
(٣) الطارف : المال الحديث ، والتلاد : المال القديم الموروث.
(٤) العيث : عاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا : أفسد.
(٥) الوقص : العيب والنقص.
(٦) العهاد : أول مطر السنة. والأنداء : جمع ندى : المطر. أو قطرات الماء التي تسقط في بعض الليالي.