وولي حافده عبد الرحمن الناصر ابن ابنه محمد قتيل أخيه المطرّف ، وكانت ولايته من الغريب ؛ لأنه كان شابّا ، وأعمامه وأعمام أبيه حاضرون ، فتصدّى إليها واحتازها دونهم ، ووجد الأندلس مضطربة بالمخالفين ، مضطرمة بنيران المتغلّبين ، فأطفأ تلك النيران ، واستنزل أهل العصيان ، واستقامت له الأندلس في سائر جهاتها بعد نيّف وعشرين سنة من أيامه ، ودامت أيامه نحو خمسين سنة استفحل فيها ملك بني أميّة بتلك الناحية ، وهو أول من تسمّى منهم بالأندلس بأمير المؤمنين ، عندما التاث أمر (١) الخلافة بالمشرق ، واستبدّ موالي الترك على بني العباس ، وبلغه أن المقتدر قتله مؤنس المظفر مولاه سنة سبع عشرة وثلاثمائة فتلقّب بألقاب الخلافة ، وكان كثير الجهاد بنفسه والغزو إلى دار الحرب ، إلى أن هزم عام الخندق سنة ثلاث وعشرين ، ومحّص الله فيها المسلمين ، فقعد عن الغزو بنفسه وصار يردّد الصّوائف (٢) في كل سنة ، فأوطأ عساكر المسلمين ، من بلاد الإفرنج ما لم يطؤوه قبل في أيام سلفه ، ومدّت إليه أمم النصرانية من وراء الدروب يد الإذعان ، وأوفدوا عليه رسلهم وهداياهم من رومة والقسطنطينية في سبيل المهادنة والسلم والاعتمال (٣) فيما يعنّ في مرضاته ، ووصل إلى سدّته الملوك من أهل جزيرة الأندلس المتاخمين لبلاد المسلمين بجهات قشتالة وينبلونة وما ينسب إليها من الثغور الجوفية ، فقبّلوا يده ، والتمسوا رضاه ، واحتقبوا جوائزه ، وامتطوا مراكبه ، ثم سما إلى ملك العدوة فتناول سبتة ونقل الفرضة من أيدي أهلها سنة سبع عشرة وثلاثمائة ، وأطاعه بنو إدريس أمراء العدوة وملوك زناتة والبربر ، وأجاز إليه الكثير منهم كما يعلم من أخباره ، وبدأ أمره أول ولايته بتخفيف المغارم عن الرعايا ، انتهى كلام ابن خلدون.
وفيه يقول ابن عبد ربه صاحب «العقد» يوم تولّى الملك : [المجتث]
بدا الهلال جديدا |
|
والملك غضّ جديد |
يا نعمة الله زيدي |
|
إن كان فيك مزيد |
إن كان للصّوم فطر |
|
فأنت للدهر عيد |
وأراد بأول الأبيات أنه ولي مستهلّ ربيع الأول كما علم.
__________________
(١) التاث أمر الخلافة : اختلط واضطرب وضعف.
(٢) الصوائف : جمع صائفة ، وهي الحملة العسكرية في الصيف.
(٣) الاعتمال : هو العمل بجهد كامل في سبيل مرضاته.