هكذا ألفيت البيتين منسوبين إليه بخط بعض الأكابر ، ثم كتب بأثره ما نصّه : الصحيح أنهما لغيره ، والله أعلم ، انتهى.
وكان الناصر ـ رحمه الله ـ قد استحجب (١) موسى بن محمد بن حدير ، واستوزر عبد الملك بن جهور. وأحمد بن عبد الملك بن شهيد ، وأهدى له ابن شهيد هديته المشهورة المتعدّدة الأصناف ، وقد ذكرها ابن حيّان وابن خلدون وغيرهما من المؤرّخين. قال ابن خلدون : وهي مما يدلّ على ضخامة الدولة الأموية ، واتّساع أحوالها ، وكان ذلك سنة سبع وعشرين وثلاثمائة ، لثمان خلون من شهر جمادى الأولى ، وهي هدية عظيمة الشأن ، اشتهر ذكرها إلى الآن ، واتّفق على أنه لم يهاد أحد من ملوك الأندلس بمثلها ، وقد أعجبت الناصر وأهل مملكته جميعا ، وأقرّوا أنّ نفسا لم تسمح بإخراج مثلها ضربة عن يدها ، وكتب معها رسالة حسنة بالاعتراف للناصر بالنعمة والشكر عليها ، فاستحسنها (٢) الناس وكتبوها ، وزاد الناصر وزيره هذا حظوة واختصاصا ، وأسمى منزلته على سائر الوزراء جميعا وأضعف له رزق الوزارة ، وبلّغه ثمانين ألف دينار أندلسية ، وبلغ معروفه (٣) إلى ألف دينار ، وثنى له العظمة لتثنيته له الرزق ، فسمّاه «ذا الوزارتين» لذلك ، وكان أول من تسمّى بذلك بالأندلس امتثالا لاسم صاعد بن مخلد وزير بني العباس ببغداد ، وأمر بتصدير فراشه في البيت ، وتقديم اسمه في دفتر الارتزاق أول التسمية ، فعظم مقداره في الدولة جدّا.
وتفسير هديته المذكورة على ما ثبت في كتاب ابن خلدون على ما يفسّر : خمسمائة ألف مثقال من الذهب العين ، وأربعمائة رطل من التّبر ، ومصارفة خمسة وأربعون ألف دينار ، ومن سبائك الفضّة مائتا بدرة (٤). واقتصر ابن الفرضي على خمسمائة ألف دينار فقط ، واثنا عشر رطلا من العود الهندي الذي يختم عليه كالشمع ، ومائة وثمانون رطلا من العود المتخيّر ، ومائة رطل من العود الشبه المنتقى ، هكذا ذكره ابن خلدون.
وقال ابن الفرضي مستندا إلى الكتاب الذي وجّهه ابن شهيد مع الهدية : إن العود العالي من ذلك أربعمائة رطل ، منها (٥) قطعة واحدة مائة وثمانون رطلا.
وقال ابن خلدون : ومائة أوقية من المسك الذكي المفضّل في جنسه ، انتهى.
__________________
(١) استحجبه : جعله حاجبا له.
(٢) في ب : استحسنها.
(٣) في ب : مصروفه.
(٤) في ب : ... من سبائك الفضة في مائتي بدرة.
(٥) في ب : منها في ....