في مخاذلة دينكم (١) ، وهتك حريمكم ، وتوهين دعوة نبيّكم ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى جميع النبيّين والمرسلين ، أقول قولي هذا وأختم بالحمد لله ربّ العالمين. مستغفرا الله الغفور الرحيم فهو خير الغافرين.
وساق ابن سعيد في «المغرب» هذه الحكاية فقال ما صورته : منذر بن سعيد البلّوطي ، قاضي الجماعة بقرطبة ، خطيب مصقع (٢) ، وله كتب مؤلفة في القرآن والسّنّة والورع ، والردّ على أهل الأهواء والبدع ، شاعر بليغ ، ولد سنة خمس وستّين ومائتين ، وأوّل سببه في التعلّق بعبد الرحمن الناصر لمّا احتفل لدخول رسول ملك الروم صاحب قسطنطينية بقصر قرطبة الاحتفال الذي اشتهر ذكره ، أحبّ أن يقوم الخطباء والشعراء بين يديه ، لذكر جلالة مقعده ، ووصف ما تهيّأ له من توطيد الخلافة ، ورمي ملوك الأمم بسهام بأسه ونجدته ، وتقدّم إلى الأمير الحكم ابنه ووليّ عهده بإعداد من يقوم لذلك من الخطباء ، ويقدّمه أمام إنشاد الشعراء ، فتقدّم الحكم إلى أبي عليّ البغدادي ضيف الخليفة ، وأمير الكلام وبحر اللغة ، أن يقوم ، فقام وحمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه محمد ، صلّى الله عليه وسلّم ، ثم انقطع ، وبهت فما وصل ولا قطع ، ووقف ساكتا مفكّرا ، فلمّا رأى ذلك منذر بن سعيد قام قائما بدرجة من مرقاة أبي علي ، ووصل افتتاحه بكلام عجيب بهر العقول جزالة ، وملأ الأسماع جلالة ، ثم ذكر الخطبة كما سبق ، وقال بعد إيرادها ما صورته : فصلب العلج وغلب على قلبه ، وقال : هذا كبير القوم ، أو كبش القوم ، وخرج الناس يتحدّثون عن حسن مقامه ، وثبات جنانه ، وبلاغة لسانه ، وكان الناصر أشدّهم تعجّبا منه ، وأقبل على ابنه الحكم ـ ولم يكن يثبت معرفته ـ فسأله عنه ، فقال له : هذا منذر بن سعيد البلّوطي ، فقال : والله لقد أحسن ما شاء ، ولئن أخّرني الله بعد لأرفعنّ من ذكره ، فضع يدك يا حكم عليه ، واستخلصه ، وذكرّني بشأنه ، فما للصنيعة مذهب عنه ، ثم ولّاه الصلاة والخطابة في المسجد الجامع بالزهراء ، ثم توفي محمد بن عيسى القاضي فولّاه قضاء الجماعة بقرطبة ، وأقرّه على الصلاة بالزهراء.
ومن شعره في هذه الواقعة قوله : [الطويل]
مقالي كحدّ السّيف وسط المحافل |
|
فرقت به ما بين حقّ وباطل (٣) |
__________________
(١) في المطمح : «ملتكم» وملاكم مخففة من ملئكم.
(٢) خطيب مصقع : بليغ ، عالي الصوت.
(٣) في ب : مقال كحدّ السيف.