فلا تكن مغرما برزق غد |
|
فلست تدري بما يجيء غد |
وخذ من الدهر ما أتاك به |
|
ويسلم الروح منك والجسد |
والخير والشّرّ لا تذعه فما |
|
في الناس إلّا التشنيع والحسد |
وله وقد آذاه شخص فخاطبه بالكنية ، فقيل له : أيؤذيك وأنت تخاطبه بالكنية؟ فقال: [الكامل]
لا تعجبوا من أنّني كنّيته |
|
من بعد ما قد سبّنا وأذانا |
فالله قد كنّى أبا لهب وما |
|
كنّاه إلّا خزية وهوانا (١) |
وقال في المطمح : منذر بن سعيد البلوطي ، آية حركة وسكون ، وبركة لم تكن معدّة ولا تكون ، وآية سفاهة في تحلّم ، وجهامة وورع في طي تبسّم ، إذا جدّ وجد ، وإذا هزل نزل ، وفي كلتا الحالتين لم ينزل للورع من مرقب (٢) ، ولا اكتسب إثما ولا احتقب (٣) ، ولي قضاء الجماعة بقرطبة أيام عبد الرحمن ، وناهيك من عدل أظهر ، ومن فضل أشهر ، ومن جور قبض ، ومن حقّ رفع ومن باطل خفض ، وكان مهيبا صليبا صارما غير جبان ولا عاجز ولا مراقب لأحد من خلق الله في استخراج حقّ ورفع ظلم ، واستمرّ في القضاء إلى أن مات الناصر لدين الله ثم ولي ابنه الحكم فأقرّه ، وفي خلافته استعفى مرارا فما أعفي ، وتوفي بعد ذلك لم يحفظ عنه مدّة ولايته قضية جور ، ولا عدّت عليه في حكومته زلّة ، وكان غزير العلم ، كثير الأدب ، متكلّما بالحق ، متبيّنا بالصدق ، له كتب مؤلفة في السّنّة والقرآن والورع ، والردّ على أهل الأهواء والبدع ، وكان خطيبا بليغا وشاعرا محسنا ، ولد عند ولاية المنذر بن محمد ، وتوفي سنة ٣٥٥ ، ومن شعره في الزهد قوله : [الخفيف]
كم تصابى وقد علاك المشيب |
|
وتعامى عمدا وأنت اللبيب (٤)؟ |
كيف تلهو وقد أتاك نذير |
|
أن سيأتي الحمام منك قريب |
يا سفيها قد حان منه رحيل |
|
بعد ذاك الرحيل يوم عصيب |
__________________
(١) اعتمد على القرآن الكريم بقوله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) فاستعمل الكنية استهانة به واستصغارا له ، ولم يستعمل اسمه وهو عبد العزى.
(٢) المرقب : المكان المرتفع.
(٣) احتقب الإثم : ارتكبه.
(٤) تصابى : أصلها تتصابى حذفت إحدى التاءين ، والتصابي : الميل إلى اللهو والصبوة ، وتعامى : أصلها تتعامى أي تتغافل ، وتتصنع العمى. واللبيب العاقل.