إنّ للموت سكرة فارتقبها |
|
لا يداوي ، إذا أتتك ، طبيب (١) |
كم توانى حتى تصير رهينا |
|
ثم تأتيك دعوة فتجيب |
بأمور المعاد أنت عليم |
|
فاعملن جاهدا له يا ربيب |
وتذكّر يوما تحاسب فيه |
|
إنّ من يدّكر فسوف ينيب |
ليس من ساعة من الدهر إلّا |
|
للمنايا بها عليك رقيب |
ولعلّنا نذكر شيئا من أحوال منذر في غير هذا الموضع.
رجع لأخبار الناصر لدين الله ـ حكي أنه لمّا أعذر لأولاد ابنه أبي مروان عبيد الله اتّخذ لذلك صنيعا عظيما بقصر الزهراء لم يتخلّف أحد عنه من أهل مملكته وأمر أن ينذر لشهوده الفقهاء المشاورون ومن يليهم من العلماء والعدول ووجوه الناس ، فتخلّف من بينهم المشاور أبو إبراهيم ، وافتقد مكانه لارتفاع منزلته ، فسأل في ذلك الخليفة الناصر ، إذ أبو إبراهيم من أكابر علماء المالكية الذين عليهم المدار ، ووجد الناصر بسبب ذلك على أبي إبراهيم ، وأمر ابنه وليّ العهد الحكم بالكتاب إليه ، والتفنيد له ، فكتب إليه الحكم رقعة نسختها : «بسم الله الرحمن الرحيم ، حفظك الله وتولّاك! وسدّدك ورعاك! لمّا امتحن أمير المؤمنين مولاي وسيدي ـ أبقاه الله! ـ الأولياء الذين يستعدّ بهم وجدك متقدّما في الولاية ، متأخّرا عن الصّلة ، على أنه قد أنذرك ـ أبقاه الله! ـ خصوصا للمشاركة في السرور الذي كان عنده ، لا أعدمه الله توالي المسرّة ، ثم أنذرت من قبل إبلاغا في التكرمة ، فكان منك على ذلك كله من التخلّف ما ضاقت عليك في المعذرة ، واستبلغ أمير المؤمنين في إنكاره ومعاتبتك عليه ، فأعيت عليك (٢) عنك الحجّة ، فعرّفني ـ أكرمك الله! ـ ما العذر الذي أوجب توقفك عن إجابة دعوته ، ومشاهدة السرور الذي سرّ به ورغب المشاركة فيه ، لنعرّفه ـ أبقاه الله! ـ بذلك ، فتسكن نفسه العزيزة إليه إن شاء الله تعالى». فأجابه أبو إبراهيم : «سلام على الأمير سيدي ورحمة الله ، قرأت ـ أبقى الله الأمير سيدي! ـ هذا الكتاب وفهمته ، ولم يكن توقفي لنفسي ، إنّما كان لأمير المؤمنين سيدنا أبقى الله سلطانه ، لعلمي بمذهبه ، وسكوني إلى تقواه ، واقتفائه لأثر سلفه الطّيّب رضوان الله عليهم ، فإنهم يستبقون من هذه الطبقة بقية لا يمتهنونها بما يشينها (٣) ، ولا بما يغضّ منها ويطرق إلى تنقيصها ، يستعدّون بها لدينهم ، ويتزيّنون بها عند رعاياهم ومن يفد عليهم من
__________________
(١) في ب : أريب.
(٢) أعيت عليك عنك الحجة : يجب أن تكون : أعيت عليّ أو علينا عنك الحجة أي لم نستطع الاعتذار عنها.
(٣) لا يمتهنونها : لا يحتقرونها. ويشينها : يعيبها.