هشام أوقع به عبد الملك سنة ستّ وثمانين ، ونزل بفاس وملكها ، وعقد لملوك زناتة على ممالك المغرب وأعماله من سجلماسة وغيرها ، وشرّد زيري بن عطية إلى تاهرت (١) ، فأبعد المفرّ (٢) ، وهلك في مفرّه ذلك. ثم قفل عبد الملك إلى قرطبة ، واستعمل واضحا على المغرب. وهلك المنصور أعظم ما كان ملكا ، وأشدّ استيلاء ، سنة أربع وتسعين وثلاثمائة (٣) ، بمدينة سالم منصرفه من بعض غزواته ، ودفن هنالك ، وذلك لسبع وعشرين سنة من ملكه ، انتهى كلام ابن خلدون ، وبعضه بالمعنى وزيادة يسيرة.
ولا بأس أن نزيد عليه فنقول : ممّا حكي أنه مكتوب على قبر المنصور رحمه الله تعالى (٤) : [الكامل]
آثاره تنبيك عن أخباره |
|
حتّى كأنّك بالعيان تراه |
تالله لا يأتي الزمان بمثله |
|
أبدا ، ولا يحمي الثغور سواه |
وعن شجاع مولى المستعين بن هود : لمّا توجّهت إلى أذفونش وجدته في مدينة سالم ، وقد نصب على قبر المنصور بن أبي عامر سريره ، وامرأته متّكئة إلى جانبه ، فقال لي : يا شجاع ، أما تراني قد ملكت بلاد المسلمين ، وجلست على قبر ملكهم؟ قال : فحملتني الغيرة أن قلت له : لو تنفّس صاحب هذا القبر وأنت عليه ما سمع منك ما يكره سماعه ، ولا استقرّ بك قرار ، فهمّ بي ، فحالت امرأته بيني وبينه ، وقالت : صدقك فيما قال ، أيفخر مثلك بمثل هذا؟.
وهذا تلخيص ترجمة المنصور من كلام ابن سعيد (٥) : قال رحمه الله : ترجمة الملك الأعظم المنصور أبي عامر محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، المعافري ، من قرية تركش (٦) ، وعبد الملك جدّه هو الوافد على الأندلس مع طارق في أوّل الداخلين من العرب ، وأمّا المنصور فقد ذكره ابن حيّان في كتابه المخصوص
__________________
(١) تاهرت : بفتح الهاء وسكون الراء ، مدينة بأقصى المغرب ، وهي كثيرة الأنداء والضباب والأمطار (معجم البلدان ٢ / ٧).
(٢) أبعد المفرّ : فرّ إلى مكان بعيد.
(٣) في الحلة السيراء : توفي ليلة الاثنين لثلاث بقين من شهر رمضان من السنة المذكورة ٣٩٢ ه. ودفن بمدينة سالم. (الحلة السيراء صفحة ٢٨٦).
(٤) انظر الحلة السيراء صفحة ٢٨٦.
(٥) انظر المغرب ٢ / ٣٩٤.
(٦) في المغرب : كرتش. وفي المعجب : طرش من أعمال الجزيرة الخضراء.