نصيبي من الدنيا هواك ، وإنه |
|
غذائي ، ولكنّي عليه ضنين |
وستأتي هذه الترجمة من المطمح الصغير إن شاء الله تعالى بما فيه بعض زيادة ونقصان في الباب الرابع.
وقال في المطمح في حق ابن أبي عامر (١) : إنه تمرّس ببلاد الشّرك أعظم تمرّس (٢) ، ومحا من طواغيتها كلّ تعجرف (٣) وتغطرس (٤) ، وغادرهم صرعى البقاع ، وتركهم أذلّ من وتد بقاع ، ووالى على بلادهم الوقائع ، وسدّد إلى أكبادهم سهام الفجائع ، وأغصّ بالحمام أرواحهم ، ونغّص بتلك الآلام بكورهم ورواحهم ، ومن أوضح الأمور هنالك ؛ وأفصح الأخبار في ذلك ، أنّ أحد رسله كان كثير الانتياب ، لذلك الجناب ؛ فسار في بعض مسيراته إلى غرسيه صاحب البشكنس فوالى في إكرامه ، وتناهى في برّه واحترامه ، فطالت مدّته فلا متنزّه إلّا مرّ عليه متفرّجا ، ولا منزل إلّا سار عليه معرّجا ، فحلّ في ذلك ، أكثر الكنائس هنالك ، فبينا هو يجول في ساحتها ، ويجيل العين في مساحتها ، إذ عرضت له امرأة قديمة الأسر ، قويمة على طول الكسر ، فكلّمّته وعرّفته بنفسها وأعلمته ، وقالت له : أيرضى المنصور أن ينسى بتنعّمه بوسها ، ويتمتّع بلبوس العافية وقد نضت لبوسها ، وزعمت أنّ لها عدة سنين بتلك الكنيسة محبسة ، وبكل ذلّ وصغار ملبسة ، وناشدته الله في إنهاء قصتها ، وإبراء غصّتها ، واستحلفته بأغلظ الأيمان ، وأخذت عليه في ذلك أوكد مواثيق الرحمن ، فلمّا وصل إلى المنصور عرّفه بما يجب تعريفه به وإعلامه ، وهو مصغ إليه حتى تمّ كلامه ، فلما فرغ قال له المنصور : هل وقفت هناك على أمر أنكرته ، أم لم تقف على غير ما ذكرته؟ فأعلمه بقصة المرأة وما خرجت عنه إليه ، وبالمواثيق التي أخذت عليه ، فعتبه ولامه ، على أن لم يبدأ بها كلامه ، ثم أخذ للجهاد من فوره وعرض من من الأجناد في نجده وغوره ، وأصبح غازيا على سرجه ، مباهيا مروان بن الحكم يوم مرجه (٥) ، حتى وافى ابن شانجه في جمعه ، فأخذت مهابته ببصره وسمعه ، فبادر بالكتاب إليه يتعرّف ما الجليّة ، ويحلف له بأعظم أليّة (٦) ، أنه ما جنى ذنبا ، ولا جفا عن مضجع الطاعة جنبا ، فعنف أرساله وقال لهم : كان قد عاقدني أن لا يبقى ببلاده مأسورة ولا
__________________
(١) لم نجد هذه الترجمة في المعجم الذي بين أيدينا.
(٢) تمرس ببلاد الشرك : احتك بالمشركين ، وتعرض لهم ، وقاتلهم.
(٣) التعجرف : التكبر والظلم.
(٤) التغطرس : الكبر والإعجاب بالنفس.
(٥) أراد : مروان بن الحكم الخليفة الأمويّ. ويوم مرجه : أي يوم مرج راهط. وقد وقعت في هذا المكان معركة بين مروان وبين الضحاك بن قيس الفهري انتصر فيها مروان وقتل الضحاك.
(٦) أليّة : قسم ، يمين.