انقراض الخلائف ، وانتزى (١) الأمراء والرؤساء من البربر والعرب والموالي بالجهات ، واقتسموا خطّتها ، وتغلّب بعض على بعض ، واستقلّ أخيرا بأمرها منهم ملوك استفحل أمرهم وعظم شأنهم ، ولاذوا بالجزى (٢) للطاغية أن يظاهر عليهم أو يبتزّهم ملكهم ، وأقاموا على ذلك برهة من الزمان ، حتى قطع إليهم البحر ملك العدوة وصاحب مراكش أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللّمتوني ، فخلعهم ، وأخلى منهم الأرض.
فمن أشهرهم بنو عبّاد ملوك إشبيلية وغرب الأندلس الذين منهم المعتمد بن عباد الشهير الذكر بالمغرب والمشرق ، وفي الذخيرة والقلائد من أخباره ما هو كاف شاف.
ومنهم بنو جهور ، كانوا بقرطبة في صورة الوزارة ، حتى استولى عليهم المعتمد بن عبّاد ، وأخذ قرطبة ، وجعل عليها ولده ، ثم كانت له وعليه حروب وخطوب ، وفرّق أبناءه على قواعد الملك ، وأنزلهم بها ، واستفحل أمره بغرب الأندلس ، وعلت يده على من كان هنالك من ملوك الطوائف ، مثل ابن حبّوس (٣) بغرناطة ، وابن الأفطس ببطليوس ، وابن صمادح بالمريّة ، وغيرهم ، فكانوا يخطبون سلمه ، ويغلون في مرضاته ، وكلّهم يدارون الطاغية ويتّقونه بالجزى ، إلى أن ظهر يوسف بن تاشفين ، واستفحل ملكه ، فتعلّقت آمال الأندلس بإعانته ، وضايقهم الطاغية في طلب الجزية ، فقتل المعتمد اليهوديّ الذي جاء في طلب الجزية للطاغية ، بسبب كلمة قالها آسفه بها. ثم أجاز البحر صريخا إلى يوسف بن تاشفين ، فأجاز معه البحر ، والتقوا مع الطاغية في الزلّاقة ، فكانت الهزيمة المشهورة على النصارى ، ونصر الله تعالى الإسلام نصرا لا كفاء له ، حتى قال بعض المؤرّخين : إنه كان عدد النصارى ثلاثمائة ألف ، ولم ينج منهم إلّا القليل ، وصبر فيها المعتمد صبر الكرام ، وكان قد أعطى يوسف بن تاشفين الجزيرة الخضراء ليتمكّن من الجواز متى شاء ، ثم طلب الفقهاء بالأندلس من يوسف بن تاشفين رفع المكوس والظلامات عنهم ، فتقدّم بذلك إلى ملوك الطوائف ، فأجابوه بالامتثال ، حتى إذا رجع من بلادهم رجعوا إلى حالهم ، وهو خلال ذلك يردّد عساكره للجهاد ، ثم أجاز إليهم وخلع جميعهم ، ونازلت عساكره جميع بلادهم ، واستولى على قرطبة وإشبيلية وبطليوس وغرناطة وغيرها ، وصار المعتمد بن عباد كبير ملوك الأندلس في قبضته أسيرا بعد حروب ، ونقله إلى أغمات قرب مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، واعتقله هنالك إلى أن مات سنة
__________________
(١) انتزى : وثب.
(٢) الجزى : جمع جزية ، وهي هنا الضريبة.
(٣) في ج : مثل ابن باديس.