ثمان وثمانين. وسنلمّ بما قاله الوزير لسان الدين بن الخطيب فيه لمّا (١) زار قبره.
وللمعتمد هذا أخبار مأثورة خصوصا مع زوجته أمّ أولاده الرميكية الملقّبة باعتماد ، وقد روي أنها رأت ذات يوم بإشبيلية نساء البادية يبعن اللبن في القرب وهنّ رافعات عن سوقهنّ في الطين ، فقالت له : [يا سيدي] أشتهي أن أفعل أنا وجواريّ مثل هؤلاء النساء ، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد ، وصيّر الجميع طينا في القصر ، وجعل لها قربا وحبالا من إبريسم (٢) ، وخرجت هي وجواريها تخوض في ذلك الطين ، فيقال : إنه لمّا خلع وكانت تتكلّم معه مرّة فجرى بينهما ما يجري بين الزوجين ، فقالت له : والله ما رأيت منك خيرا ، فقال لها : ولا يوم الطين؟ تذكيرا لها بهذا اليوم الذي أباد فيه من الأموال ما لا يعلمه إلّا الله تعالى ، فاستحيت وسكتت.
وولي بعده غير من تقدّم بنو رزين أصحاب السّهلة ، وبنو الفهري أصحاب البونت ، وتغلّب عليهما أخيرا يوسف بن تاشفين.
ومن أعظم ملوك الطوائف بنو ذي النون ملوك طليطلة من الثغر الجوفي ، وكانت لهم دولة كبيرة ، وبلغوا في البذخ والتّرف إلى الغاية ، ولهم الإعذار المشهور الذي يقال له «الإعذار الذّنّوني» وبه يضرب المثل عند أهل المغرب ، وهو عندهم بمثابة عرس بوران عند أهل المشرق ، والمأمون من بني ذي النون هو صاحب ذلك ، وهو الذي عظم بين ملوك الطوائف سلطانه ، وكان بينه وبين الطاغية مواقف مشهورة ، وغلب على قرطبة ، وملكها من يد ابن عبّاد المعتمد ، وقتل ابنه أبا عمرو ، وغلب أيضا على بلنسية وأخذها من يد بني ابن أبي عامر.
وفي أيام حافد المأمون ـ وهو القادر بن ذي النون ـ كان الطاغية ابن أذفونش قد استفحل أمره ، لمّا خلا الجوّ من مكان الدولة الخلافية ، وخفّ ما كان على كاهله من إصر العرب ، فاكتسح البسائط ، وضايق ابن ذي النون ، حتى أخذ من يده طليطلة ، فخرج له عنها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة كما سبق ، وشرط عليه أن يظاهره على أهل بلنسية ، فقبل شرطه ، وتسلّمها ابن ألفونش ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
ومن أعظم ملوك الأندلس الموالي العامريون مثل خيران وزهير وأشباههما. وأخبار الجميع تطول.
__________________
(١) في ب : حين.
(٢) الإبريسم : الحرير.