وقائده ابن همشك بفحص غرناطة ، وقد استعان ابن مردنيش بالنصارى على الموحّدين ، فهزمهم عبد المؤمن ، وقتلهم أبرح قتل ، واستخلص غرناطة سنة سبع وخمسين وخمسمائة من يد ابن مردنيش. وولي الأمر بعد عبد المؤمن ابنه يوسف ، وأجاز إلى الأندلس ، وكانت له مواقف في جهاد العدوّ ، وولي بعده ابنه يعقوب المنصور الطائر الصيت ، وكانت له في النصارى بالأندلس نكاية كبيرة ، ومن أعظمها غزوة الأرك (١) التي تضاهي وقعة الزلّاقة أو تزيد ، والأرك : موضع بنواحي بطليوس ، وكانت سنة إحدى وتسعين وخمسمائة ، وغنم فيها المسلمون ما عظم قدره ، وكان عدّة من قتل من الفرنج ـ فيما قيل ـ مائة ألف وستّة وأربعين ألفا ، وعدّة الأسارى ثلاثين ألفا ، وعدّة الخيام مائة ألف وخمسين ألف خيمة ، والخيل ثمانين ألفا ، والبغال مائة ألف ، والحمير أربعمائة ألف ، جاء بها الكفّار لحمل أثقالهم لأنهم لا إبل لهم ، وأما الجواهر والأموال فلا تحصى ، وبيع الأسير بدرهم ، والسيف بنصف درهم ، والفرس بخمسة دراهم ، والحمار بدرهم ، وقسّم يعقوب الغنائم بين المسلمين بمقتضى الشرع ، ونجا ألفنش ملك النصارى إلى طليطلة في أسوإ حال ، فحلق رأسه ولحيته ، ونكس صليبه ، وآلى أن لا ينام على فراش ، ولا يقرب النساء ، ولا يركب فرسا ولا دابّة ، حتى يأخذ بالثأر ، وصار يجمع من الجزائر والبلاد البعيدة ويستعدّ ، ثم لقيه يعقوب وهزمه وساق خلفه إلى طليطلة وحاصره ورمى عليها بالمجانيق وضيّق عليها ، ولم يبق إلّا فتحها ، فخرجت إليه والدة الأذفونش وبناته ونساؤه وبكين بين يديه ، وسألنه إبقاء البلد عليهنّ ، فرقّ لهنّ ، ومنّ عليهنّ بها ، ووهب لهنّ من الأموال والجواهر ما جلّ ، وردّهنّ مكرمات ، وعنا بعد القدرة ، وعاد إلى قرطبة ، فأقام شهرا يقسم الغنائم ، وجاءته رسل ألفنش بطلب الصلح ، فصالحه ، وأمّن الناس مدّته ، وفيه يقول بعض شعراء عصره : [الكامل]
أهل بأن يسعى إليه ويرتجى |
|
ويزار من أقصى البلاد على الرّجا |
من قد غدا بالمكرمات مقلّدا |
|
وموشّحا ومختّما ومتوّجا |
عمرت مقامات الملوك بذكره |
|
وتعطّرت منه الرّياح تأرّجا |
ولمّا أرسل له السلطان صلاح الدين بن أيوب شمس الدين بن منقذ يستنجد به على الفرنج الخارجين عليه بساحل البلاد المقدّسة ، ولم يخاطبه بأمير المؤمنين ، لم يجبه إلى ما طلبه ، وكل ذلك في سنة ٥٨٧ ، ومدحه ابن منقذ بقوله من قصيدة : [الكامل]
__________________
(١) الأرك : حصن منيع قريب من قلعة رباح. (انظر صفة جزيرة الأندلس صفحة ١٢).