احمرّ للنّيل خدّ |
|
حتى غدا كالشقيق |
وقد ترنّمت فيه |
|
إذ صار وادي العقيق |
ثم شمّرت عن ساعد العزم بعد الإقامة بمصر مدّة قليلة ، إلى المهمّ الأعظم والمقصد الأكبر الذي هو سرّ المطالب الجليلة ، وهو رؤية الحرمين الشريفين ، والعلمين المنيفين ، زادهما الله تنويها ، وبلّغ النفوس ببركة من شرفا به مآرب لم تزل تنويها ، فسافرت في البحر إلى الحجاز ، راجيا من الله سبحانه في الأجر الانتجاز ، إلى أن بلغت جدة ، بعد مكابدة خطوب اتّخذت لها من الصبر عدّة ، فحين حصل القرب ، واكتحلت العين بإثمد تلك التّرب ، ت رنّمت بقول من قال ، محرّضا على الوخد والإرقال (١) : [البسيط]
بدا لك الحقّ فاقطع ظهر بيداء |
|
واهجر مقالة أحباب وأعداء |
واقصد على عزمة أرض الحجاز تجد |
|
بعدا عن السّخط في نزل الأودّاء |
وقل إذا نلت من أمّ القرى أربا |
|
وهو الوصول بإسرار وإبداء |
يا مكة الله ، قد مكّنت لي حرما |
|
مؤمّنا لست أشكو فيه من داء |
فمذ رأى النازح المسكين مسكنه |
|
في قطرك الرّحب لم ينكب بأرزاء |
شوق الفؤاد إلى مغناك متّصل |
|
شوق الرياض إلى طلّ وأنداء |
ثم أنشدت ، عندما بدت أعلام البيت الحرام ، قول بعض من غلب عليه الشوق والغرام ، وقد بلغ من أمانيه الموجبة بشائره وتهانيه المرام : [البسيط]
وافى الحجيج إلى البيت العتيق وقد |
|
سجا الدّجى فرأوا نورا به بزغا (٢) |
عجّوا عجيجا وقالوا : الله أكبر ما |
|
للجوّ مؤتلقا بالنور قد صبغا (٣) |
قال الدليل : ألا هاتوا بشارتكم |
|
فمن نوى كعبة الرحمن قد بلغا |
نادوا على العيس بالأشواق وانتحبوا |
|
وحنّ كلّ فؤاد نحوها وصغا (٤) |
وكلّ من ذمّ فعلا نال محمدة |
|
في مكة ومحا ما قد جنى وبغى |
ولما وقع بصري على البيت الشريف كدت أغيب عن الوجود ، واستشعرت قول العارف
__________________
(١) الوخد والإرقال : ضربان من السير السريع.
(٢) سجا الدجى : سكن الليل وغطت الظلمة المكان.
(٣) عج العجيج : رفعوا أصواتهم بالدعاء إلى الله.
(٤) صغا : مال.