فأرضها مثل السماء بهجة |
|
وزهرها كالزهر في إشراقها |
نسيم ريّا روضها متى سرى |
|
فكّ أخا الهموم من وثاقها |
قد ربع الربيع في ربوعها |
|
وسيقت الدنيا إلى أسواقها |
لا تسأم العيون والأنوف من |
|
رؤيتها يوما ولا انتشاقها |
وقول شمس الدين الأسدي الطيبي : [الوافر]
إذا ذكرت بقاع الأرض يوما |
|
فقل سقيا لجلّق ثم رعيا (١) |
وقل في وصفها لا في سواها : |
|
بها ما شئت من دين ودنيا |
وكأنّ لسان الدين ذا الوزارتين ابن الخطيب ، عناها بقوله المصيب : [الكامل]
بلد تحفّ به الرياض كأنّه |
|
وجه جميل والرياض عذاره (٢) |
وكأنّما واديه معصم غادة |
|
ومن الجسور المحكمات سواره |
وكنت قبل رحلتي إليها ، ووفادتي (٣) عليها ، كثيرا ما أسمع عن أهلها زاد الله في ارتقائهم ، ما يشوّقني إلى رؤيتها ولقائهم ، وينشقني على البعد أريج الأدب الفائق من تلقائهم ، حتى لقيت بمكة المعظمة ، أوحد كبرائها الذين فرائدهم بلبّة (٤) الدهر منظّمة ، عين الأعيان ، وصدر أرباب التفسير بها والبيان ، صاحب القلم الذي طبّق الكلى والمفاصل ، والفتاوى التي حكمها بين الحق والباطل فاصل ، والتآليف التي وصفها بالإجادة من باب تحصيل الحاصل ، وارث العلم عن غير كلالة ، ذو الحسب المشرق بدره في سماء الجلالة ، صاحب المعارف التي زانت خلاله ، وساحب أذيال العوارف التي أبانت عن (٥) فضله دلالة ، مفتي السلطان في تلك الأوطان ، على مذهب الإمام النّعمان (٦) ، مولانا الشيخ عبد الرحمن (٧) ابن شيخ الإسلام عماد الدين ، لا زال سالكا سبيل المهتدين ، فكان جمّل الله به عصرا وأوانا ، لقضية هذا القياس عنوانا ، فلما حللت بدارهم ، ورأيت ما أذهلني من سبقهم للفضل وبدارهم ، صدق (٨) الخبر ،
__________________
(١) جلّق : اسم من أسماء دمشق.
(٢) العذار : الشعر الذي يحاذي الأذن من جانب اللحية.
(٣) في ب : والوفادة.
(٤) اللّبّة : موضع القلادة من الصدر.
(٥) في ب : على.
(٦) هو أبو حنيفة.
(٧) هو الشيخ عبد الرحمن العمادي الدمشقي المتوفى سنة ١٠٥١ ه (خلاصة الأثر ج ٢ ص ٣٨٠ ـ ٣٨٩).
(٨) في ب : صدّق الخبر الخبر.