فإن جمعت شملي الليالي بقربهم |
|
تجمّع غيلان وميّ وصيدح |
على أنها الأيام جدّ مزاحها |
|
وربّ مجدّ في الأذى وهو يمزح |
وكثيرا ما يلهج اللسان بقول من قال : [الطويل]
وما تفضل الأوقات أخرى لذاتها |
|
ولكنّ أوقات الحسان حسان |
ويردّد قول من شوقه متجدّد : [الطويل]
سقى معهد الأحباب ناقع صيّب |
|
من المزن عن مغناه ليس يريم (١) |
وإن لم أكن من ساكنيه فإنه |
|
يحلّ به خلّ عليّ كريم |
وينشد من يلوم ، قول من في حشاه وله وفي قلبه كلوم : [الدّوبيت]
قد أصبح آخر الهوى أوّله |
|
فالعاذل في هواك ما لي وله |
بالله عليك خلّ ما أوّله |
|
وارحم دنفا لدى حشاه وله |
وقد امتدّ بنا الكلام ، وربّما يجعله اللاحي (٢) ذريعة لزيادة الملام ، فلنرجع إلى ما كنّا بصدده ، من إجابة المولى الشاهيني ، أمدّه الله سبحانه بمدده ، فأقول ، مستمدّا من واهب العقول :
إني شرعت بعد الاستقرار بمصر في المطلوب ، وكتبت منه نبذة تستحسنها من المحبين الأسماع والقلوب ، وسلكت في ترتيبه أحسن أسلوب ، وعرضت في سوقه كلّ نفيس غريب من الغرب إلى الشرق مجلوب ، تستحسن الأبصار ما عليه احتوى ، وتعرف الأفكار أنه غير مجتوى (٣) ، ثم وقف بي مركب العزم عن التمام واستوى ، فأخّرته تأخير الغريم لدين الكريم ، وصدّتني أعراض ، عن تكميل ما يشتمل عليه من أغراض ، وأضربت برهة عمّا له من منحى ، لاختلاف أحوال الدهر نفعا ودفعا ومنعا ومنحا ، ومرقت عن هدف الإصابة نبال ، وطرقت في سدف (٤) ليالي الكتابة أمور لم تكن تخطر ببال. فجاءتني من المولى المذكور آنفا ، رسالة دلّت على أنه لم يكن عن انتجاز الوعد متجانفا ، فعدت لقضاء الوطر مستقبلا وللجملة مستأنفا ،
__________________
(١) الناقع : المفيد ، المجدي ، الصيّب : السحاب الممطر ، ويريم : يبرح.
(٢) اللاحي : اسم فاعل من لحا فلان فلانا إذا لامه وعذله.
(٣) غير مجتوى : غير مكروه.
(٤) السّدف : جمع سدفة : الظلمة ، وسدف الليل : ظلمته وسواده.