ألم تر أنه ـ لعنه الله ـ بمجرد نيله (الخلافة) في أول أمره : قتل الحسين عليهالسلام ، وأباح المدينة ، وأحرق الكعبة ، مع تزلزل سلطانه؟!
فكان الحسين عليهالسلام ، بقبوله القتل ، قد أظهر ظلمهم وكفرهم ، وصرف وجوه الناس وقلوبهم ـ عنهم ـ إلى دين جده.
فكان إحياء الدين من جده صلىاللهعليهوآلهوسلم بغلبته ، ومن الحسين عليهالسلام بمغلوبيته ومظلوميته.
فلو كان عليهالسلام يبقى في المدينة أو مكة ، لكانوا يقتلونه غيلة ، وإن كان يبايعهم! إلا إذا كان يتابع رأيهم في تغيير الدين ، والردة إلى الكفر.
وحاشاه ثم حاشاه.
وكذلك صبر علي عليهالسلام خمسا وعشرين سنة على أمر من العلقم ، أبان للعالمين أن حروبه ومجاهداته وقتله الكافرين ، لم يكن إلا بأمر من الله تعالى ، دون الهوى وطلب الدنيا والميل إلى سفك الدماء.
وإلا ، فلا يعقل ممن حاله ذلك ، أن يضع اليد على اليد ، ويحمل المسحاة على الكتف ، فيصير حبيس بيته ، وراهب داره! لكنه عليهالسلام رأى توقف حفظ الإسلام ، ورسوخه بين الأنام ، على جعل نفسه من أضعف الرعايا ، وأقل البرايا.
وإلا ، فهو لو سل ذا الفقار ، لقالوا : كان قتاله في بدء الإسلام لمثل هذا اليوم!
ولا ريب أن صبره هو الجهاد الأكبر ، لأنه جهاد النفس وقد (فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) [الآية (٩٥) من سورة النساء (٤)].