«ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون* الحق من ربك فلا تكن من الممترين* فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين» [٣ : ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١].
ولما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبرهم بقوله في عيسى بن مريم في ضوء هذه الآية الكريمة ، وتركهم ذلك اليوم ليفكروا في أمرهم ، فأبوا أن يقروا بما قال في عيسى ، فلما أصبحوا وقد أبوا عن قبول ما عرض عليهم من قوله في عيسى وأبوا عن الإسلام ، دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم الى المباهلة ، وأقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره ، فلما رأوا منه الجد والتهيؤ خلوا وتشاوروا ، فقال كل من العاقب والسيد للآخر : لا تفعل فو الله لئن كان نبيا فلا عننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا ، فلا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر الا هلك. ثم اجتمع رأيهم على تحكيم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أمرهم ، فجاءوا وقالوا : انا نعطيك ما سألتنا. فقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم الجزية وصالحهم على ألفي حلة ألف في رجب وألف في صفر ، ومع كل حلة أوقية ، وأعطاهم ذمة الله وذمة رسوله ، وترك لهم الحرية الكاملة في دينهم ، وكتب لهم بذلك كتابا ، وطلبوا منه أن يبعث عليهم رجلا أمينا ، فبعث عليهم أمين هذه الأمة أبا عبيدة بن الجراح ليقبض مال الصلح.
ثم طفق الإسلام يفشو فيهم ، فقد ذكروا أن السيد والعاقب أسلما بعد ما رجعا الى نجران ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم بعث إليهم عليا ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم ، ومعلوم أن الصدقة انما تؤخذ من المسلمين.