كانت طرفا من أطراف النزاع في مراحله الأخيرة ، كما كان لها ميلا صريحا إلى أحد طرفي النزاع منذ أيامه الأولى ، بل ربما قبل ذلك أيضا.
ولقد ثبت عن عروة أنه قد تأثر بهذا الميل تأثرا كبيرا ، بل الأرجح أن ميله هذا هو الذي دعاه إلى الاختصاص بعائشة دون سواها ، فهو ابن الزبير بن العوام الذي كان إلى جانب عائشة في طليعة الداعين إلى نقض بيعة علي بن أبي طالب وإعلان الحرب ضده ، تلك الحرب التي كان الزبير من أول ضحاياها.
وكان عروة قد حاول الخروج معهما في تلك الحرب ، لكن ردوه لصغره ، إذ كان عمره ثلاث عشرة سنة (١٨).
فلم يكن اختصاصه بأم المؤمنين عائشة لكونها خالته أخت أمه أسماء إذن ، فلقد كان بنو هاشم أخواله أيضا ، فأم أبيه هي صفية بنت عبد المطلب أخت أبو طالب.
ولقد كان هذا الميل ثابتا في حديثه حتى عد في المنحرفين على علي عليهالسلام ، نسبه إلى ذلك من لا يتهم فيه :
قال معمر : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي عليه السلام ، فسألته عنهما يوما ، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما؟ الله أعلم بهما! إني لأتهمهما في بني هاشم (١٩)!
إذن فهذا المصدر متهم أيضا ، متهم لا في إخفاء بعض حقائق التاريخ وحسب ، بل في إدخال الأخبار المختلقة التي نسجها خصوم بني هاشم للنيل منهم والتنقص من منزلتهم!
إنه متهم بذلك حتى عند الزهري الذي لم يكن له ميل إلى علي وبني
__________________
(١٨) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٢٣ ، الطبقات الكبرى ٥ / ١٧٩.
(١٩) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ / ٦٤.