الأول : أن رواية سيف جاءت بما هو شنيع ، بل بما هو أكثر شناعة من تلك الأمور التي كره الطبري ذكرها.
فأما الشناعة التي كره الطبري ذكرها فمفادها : أن معاوية كان يحب المال والزينة ، وأنه سير الصحابي الكبير أبا ذر من الشام إلى المدينة على بعير بلا وطاء حتى تآكل لحم فخذيه. وحين قدم أبو ذر المدينة أمر الخليفة عثمان بن عفان بنفيه إلى الربذة بعد جدل دار بينهما أصر فيه أبو ذر ألا يكف عن طعن الأمراء الذين شغلتهم الدنيا وجمع الثروات الطائلة ، وخرج أبو ذر إلى الربذة ولم يجرؤ أحد أن يودعه سوى علي وولديه الحسن والحسين عليهم السلام (٦٠).
وأما رواية سيف التي لا يذكر الطبري سواها ، فأولها : (لما ورد ابن السوداء (٦١) الشام لقي أبا ذر ، فقال : يا أبا ذر ، ألا تعجب إلى معاوية ، يقول: المال مال الله؟! ألا إن كل شئ لله ، فكأنه يريد أن يحتجبه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين!
فأتاه أبو ذر فقال : ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله! ... قام أبو ذر بالشام وجعل يقول : يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء .. فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء ... ثم يذكر تسيير معاوية أبا ذر إلى المدينة على أحسن هيئة ، ويكرمه الخليفة أحسن إكرام ويتلطف به ، غير أن أبا ذر يصر على أن يهجر المدينة ليرتد أعرابيا!!
فهذه القصة التي حملت على رابع الإسلام ـ أبي ذر (٦٢) ـ فجعلته تابعا
__________________
(٦٠) راجع القصة في : تاريخ المدينة المنورة ٣ / ١٠٣٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٧١ ـ ١٧٣ ، أنساب الأشراف : القسم الرابع : ٥٤٤٢ ـ ٥٤٤٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ / ٥٤ ومنه أيضا ١ / ١٩٩ و ٣ / ٢٨.
(٦١) يريد عبد الله بن سبأ ، اليهودي الذي أسلم كيدا للإسلام والمسلمين.
(٦٣) فقد أسلم أبو ذر بعد خديجة وعلي وزيد بن حارثة ، أنظر : سيرة ابن إسحاق : ١٣٧ ـ ١٣٨.