ولم يكن الطبري وحده ضحيته ، بل هذه الأجيال التي عرضت لها الأباطل وكأنها الحقائق ، ورسم لها تاريخ الإسلام منكوسا على رأسه وهي تخال أنه قائم على قدميه!
وهكذا تستولي الأباطيل على عقائد الناس ، حين يغتر الناس بكلام معسول كديباجة ابن الأثير هذه ...
ب ـ ابن خلدون :
ابن خلدون أيضا يؤكد اعتماده على ما نقله الطبري دون غيره ، ثم يزيد على ذلك فيهاجم المؤرخين الذين نقلوا أخبارا غير التي نقلها سيف بن عمر والعاذرون ، فيقول بعد أن فرغ من ذكر وقعة الجمل :
(هذا أمر الجمل ملخصا من كتاب أبي جعفر الطبري ، اعتمدناه للوثوق به ، ولسلامته من الأهواء الموجودة في كتب ابن قتيبة وغيره) (٦٧).
وفي موضع آخر وبعد أن فرغ من الكلام في أمر الخلافة الإسلامية ، قال :
(هذا آخر الكلام في الخلافة الإسلامية وما كان فيها من الردة والفتوحات والحروب ، ثم الاتفاق والجماعة ، أوردتها ملخصة عيونها ومجامعها من كتاب محمد بن جرير الطبري ، وهو تاريخه الكبير ، فإنه أوثق ما رأيناه في ذلك ، وأبعد عن المطاعن والشبه في كبار الأمة وأخيارها وعدولها من الصحابة والتابعين. فكثيرا ما يوجد في كلام المؤرخين؟؟؟ مطاعن وشبه في حقهم أكثرها من أهل الأهواء ، فلن ينبغي أن تسود بها الصحف) (٦٨).
إن ما قيل في حق ابن الأثير يقال هنا أيضا في حق ابن خلدون.
__________________
(٦٧) تاريخ ابن خلدون ٢ / ٦٢٢.
(٦٨) تاريخ ابن خلدون ٢ / ٦٥٠.