حين يكون خصمه الدولة بكامل ثقلها ، بأمرائها وقضاتها ومحدثيها ومؤرخيها ، فيعلوا عليه الضجيج لتضيع أصداء صوته المخنوق!!
حينئذ يقف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بشخصه الكريم وسنته المطهرة ـ فيشهد له بأنه الأصدق قولا من كل ذلك الرعيل ، وأنه الأثبت لهجة من كل ذلك الضجيج ..
فإن جفاه الناس ، وأعرض عنه التاريخ ، فلا ضير عليه ، فإنه كان وحده أمة في مقابل تلك الأمة ، وسيبعث وحده يوم القيامة أمة (٧٥)!! وفي الحالين هو الأمة الأصدق لهجة والأمضى حجة والأعز ناصرا.
إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد قال لنا بهذا الحديث : إذا رأيتم أمة تتهم أبا ذر وترد عليه ، فصدقوه وكذبوها ، ولا يغركم أن فيها رواة ومحدثون ، فأبو ذر هو الأصدق لهجة على الدوام.
ولا يغركم فيها كثرة أو غلبة ، فأبو ذر وحده أمة!
وقبل ذلك كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أخبر أبا ذر بما سيكون معه ، إذ دخل المسجد يوما فوجده منجدلا فيه ، فقال له : (ألا أراك نائما؟)
فقال أبو ذر : فأين أنام ، هل لي من بيت غيره؟
فجلس إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم قال له : (كيف أنت إذا أخرجوك منه؟).
قال : ألحق بالشام ، فأكون رجلا من أهلها.
فقال له : (كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟).
قال : أرجع إليه فيكون بيتي ومنزلي.
فقال له : (فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟) (٧٦).
__________________
(٧٥) سير أعلام النبلاء ٢ / ٧٨ ، الإصابة ٤ / ٦٤.
(٧٦) مسند أحمد ٦ / ٤٥٧ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ٦١.