فصل
ومن أقوى الأسباب الموجبة للإعراض عن هاتيك الأخبار وردها ، أنها توجب صدق قول الكفرة بأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مسحور ، وقد قال الله تعالى : (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) (٧٥).
وزعم قوم ممن أثبت تأثير السحر فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن الآية لا دلالة فيها على ذلك ، لأن المراد بها ـ والله أعلم ـ أنه صلىاللهعليهوآله وسلم مجنون بواسطة السحر ـ كما قاله البيضاوي وغيره (٧٦) ـ.
وقال الفخر الرازي في تفسيره (٧٧) : إن الكفار كانوا يريدون بكونه (مسحورا) أنه مجنون أزيل عقله بواسطة السحر فلذلك ترك دينهم. انتهى.
وفي تفسير الجلالين ١ / ١٤١ : (مسحورا) مخدوعا مغلوبا على عقله.
وأنت ـ يرحمك الله ـ إذا تأملت الآية الشريفة ونظيرتها في سورة الإسراء ، وأنعمت فيهما نظر التحقيق ، لعرفت أنهم ملزمون بما قالوا ، ومسلمون الحجة لخصمهم من غير أن يشعروا ، كيف لا؟! وكل مقر بأن المسحور من أصابه السحر فأثر فيه سواء في عقله أو سائر حواسه وجوارحه.
وظاهر أن المجنون الذي جن بغير السحر لا يقال له : مسحور ، بل يقال له : مجنون ، كما قالوه في حقه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحكاه الله تعالى
__________________
(٧٥) سورة الفرقان ٢٥ : ٨ ـ ٩.
(٧٦) أنوار التنزيل ١ / ٥٨٧.
(٧٧) التفسير الكبير (مفاتح الغيب) ٣٢ / ١٨٨.