في سائر أعضائه وحواسه ـ سوى عقله ، ولا يعنونه ، لعدم تعلق غرض صحيح لهم بذلك ، فهذا لا ينهض دليلا للمثبتين ، بل هو حجة عليهم.
وبعد تحرير هذا الموضع وقفنا على كلام لابن القيم الجوزية قريب مما ذكرناه ، فرأيناه أن إيراده هاهنا لا يخلو من فائدة.
قال ـ بعد ذكر جوابين عن الآية (٨٥) ـ : فالصواب هو الجواب الثالث ، وهو جواب صاحب الكشاف وغيره : أن المسحور على بابه وهو منس حر حتى جن فقالوا : مسحور ، مثل مجنون ، أي زائل العقل لا يعقل ما يقول ، فإن المسحور الذي لا يتبع هو الذي فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول ، فهو كالمجنون ، ولهذا قالوا فيه : (معلم مجنون) (٨٦) فأما من أصيب في بدنه بمرض من الأمراض يصاب به الناس فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه ، وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان ، وإنما قذفوهم بما يحذرون به سفهاءهم من أتباعهم ، ولهذا قال تعالى : (أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) مثلوك بالشاعر مرة والساحر أخرى ، والمجنون مرة والمسحور أخرى ، فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في تيهه وتحيره طريقا يسلكه فلا يقدر عليه ، فإنه أي طريق أخذها فهي طريق ضلال وحيرة ، فهو متحير في أمره لا يهتدي سبيلا ولا يقدر على سلوكها ، فهكذا حال أعداء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معه حتى ضربوا له أمثالا برأه الله منها ، وهو أبعد عنها ، وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان. انتهى.
ومما احتجوا به لنفي القول بتأثير السحر وعمله في النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول جل ثناؤه ـ مخاطبا إياه ـ (والله يعصمك من الناس) (٨٧) فإن الآية عدة من الله تعالى بالحفظ والكلاءة ، والمعنى : والله يضمن لك العصمة
__________________
(٨٥) تفسير سورة الكافرون والمعوذتين : ٥٠.
(٨٦) سورة الدخان ٤٤ : ١٤.
(٨٧) سورة المائدة ٥ : ٦٧.