وشج وجهه الأنور ، وما ناله قبل ذلك من ضرر الجهال وإيذائهم يوم الطائف وغير ذلك مما تواتر معناه أو كاد ، من الوقائع العظيمة والخطوب الجسمية فإنما وقع في أمر الدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله وطبائع هذه الأمور تقتضي مثل تلك المضرات ، ونحن لا ندفع ذلك البتة ، بل فيه دلالة على عصمته صلىاللهعليهوآلهوسلم من القتل فحسب دون سائر الأسباب التي لم يرفع أثرها فيه عليه وآله الصلاة والسلام.
على أن التمسك بعموم الآية يقتضي صونه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حتى عن مثل ذلك ، منذ نزول الآية إلى حين وفاته ولحوقه بالرفيق الأعلى فضلا عن قتله والفتك به من قب لأعدائه ، فظهر مما ذكرنا أن قياس تأثير السحر فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم على تأثير السيف به وتسليط الحيات والعقارب عليه ليس في محله (٩١) ، فإن بين تأثير السحر وتأثير بعض تلك الأشياء فيه بونا بعيدا وفرقا شديدا ، مضافا إلى أن ظاهر الآية يدل على العصمة من شر الناس وأذاهم دون العقارب والحيات وأضرابهما ، فتنبه والله أعلم.
هذا ، ولكن قد يعكر على أصل الاحتجاج بالآية ما قد يقال من أن نزولها إنما كان بغدير خم بعد منصرفه صلىاللهعليهوآلهوسلم من حجة الوداع ـ كما ذهب إليه أكثر المفسرين حتى كاد يكون إجماعا ـ ، وسحر لبيد ـ على تقدير ثبوته ـ كان قبل ذلك (٩٢) ، فالآية ناظرة لحين نزولها إلى آخر حياته
__________________
(٩١) خلافا لما أفاده كلام صاحب الجواهر ـ رحمهالله تعالى ـ في كتاب التجارة.
(٩٢) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ١٠ / ٢٣٧ : وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر : أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكيم مرسل ، قال : لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم ـ وكان حليفا في بني زريق ، وكان ساحرا ـ فقالوا له : يا أبا الأعصم ، أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمدا فلم نصنع شيئا ، ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحره لنا سحرا ينكؤه ، فجعلوا له ثلاثة دنانير. انتهى.
وذكره القسطلاني في إرشاد الساري ٨ / ٤٠٥ فراجع.