وقال صاحب التأليف المذكور : سألت الشيخ أبا مروان يوما في مسيري معه من وادي آش إلى بلده بجانس سنة تسع وأربعين وستمائة ، فقلت له : أنت يا سيدي لم تكن قرأت ولا لازمت المشايخ قبل سفرك للمشرق ، ولا سافرت مع عالم تقتدي ببركته في هذا الطريق ، فقال لي : أقام الله تعالى لي (١) من باطني شيخا ، قلت له : كيف؟ قال : كنت إذا عرض لي أمر نظرت في خاطري فيخطر لي خاطران في ذلك ، أحدهما محمود والآخر مذموم ، فكنت أجتنب المذموم وأرتكب المحمود ، فإذا وصلت إلى أقرب بلد سألت عمن فيه من المشايخ والعلماء ، فأسأله عن ذلك ، فكان يذكر لي المحمود محمودا والمذموم مذموما ، فأحمد الله تعالى أن وفقني ، ومع تتابع ذلك واتصاله دون مخالفة لم أعتمد على ما يقع بخاطري من الأمور الشرعية إلى الآن حتى أسأل عنه من حضر من العلماء ، انتهى.
ومن كلام صاحب التأليف المذكور قوله في حق الصوفية ، نفعنا الله تعالى بهم : حموا طريق الحق فحاماهم ، ونوّر بصائرهم فأصمهم عن الباطل وأعماهم ، وأهانوا في رضاه نفوسهم ، ورفضوا نعماهم ، فأعلى قدرهم عنده وعند الناس وأسماهم ، انتهى.
وما أحسن قوله في التأليف المذكور : يا هذا ، من حافظ حوفظ عليه ، ومن طلب الخير بصدق وصل إليه ، ومن أخلص العبودية لربه قام الأحرار خدمة بين يديه ، انتهى.
٣٠٥ ـ ومنهم الطبيب الماهر الشهير ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن البيطار ، المالقي ، نزيل القاهرة (٢).
وهو الذي عناه ابن سعيد في كتابه «المغرب» بقوله : وقد جمع أبو محمد المالقي الساكن الآن بقاهرة مصر كتابا في هذا الشأن حشر فيه ما سمع به فقدر عليه من تصانيف الأدوية المفردة ككتاب الغافقي وكتاب الزهراوي وكتاب الشريف الإدريسي الصقلي وغيرها ، وضبطه على حروف المعجم ، وهو النهاية في مقصده.
وقد ذكرت كلام ابن سعيد هذا بجملته في غير هذا الموضع ، فليراجع.
وكان ابن البيطار أوحد زمانه في معرفة النباتات (٣) ، سافر إلى بلاد الأغارقة وأقصى بلاد الروم والمغرب ، واجتمع بجماعة كثيرة من الذين يعانون هذا الفن ، وعاين منابته وتحققها ،
__________________
(١) «لي» غير موجودة في أ.
(٢) انظر ترجمته في فوات الوفيات ١ / ٤٣٤. وابن أبي أصيبعة ٢ / ١٣٣.
(٣) في ب ، ه : «في معرفة النبات».