ودرج (١) إلى رحمة الله تعالى سنة خمس وتسعين وخمسمائة : وكان قد استخلف ولده محمدا وقرّر الأمر له ، انتهى.
قلت : بهذا وأمثاله تعلم فساد ما زعمه غير واحد أنّ يعقوب المنصور هذا تخلّى عن الملك ، وفرّ زاهدا فيه إلى المشرق ، وأنه دفن بالبقاع ؛ لأن هذه مقالة عامّيّة لا يثبتها علماء المغرب ، وسبب هذه المقالة تولّع العامّة به ، فكذبوا في موته ، وقالوا : إنه ترك الملك ، وحكوا ما شاع إلى الآن وذاع ممّا ليس له أصل. ويرحم الله تعالى الإمام العلامة القاضي الشريف الغرناطي شارح الخزرجية ، إذ قال في شرح مقصورة حازم عند ذكره وقعة الأرك ما معناه (٢) : إن بعض الناس يزعمون أنّ المنصور ترك الملك وذهب إلى المشرق ، وهذا كلام لا يصحّ ، ولا أصل له. انتهى. وقال في «المغرب» : كان أبوه يوسف قد استوزره في حياته ، وتخرّج بين يديه ، وتمرّس ، وهزم الفرنج الهزيمة الفظيعة ، وتولّع بالعلم حتى نفى التقليد وحرق كتب المذاهب ، وقتل على السكر ، انتهى.
وحكى لسان الدين الوزير ابن الخطيب في شرح كتابه «رقم الحلل ، في نظم الدول» أنّ المنصور طلب من بعض أعيان دولته رجلين لتأديب ولده يكون أحدهما برّا في عمله (٣) ، والآخر بحرا في علمه ، فجاءه بشخصين زعم أنهما على وفق مقترح المنصور ، فلمّا اختبرهما لم يجدهما كما وصف ، فكتب إلى الآتي بهما (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)) [الروم : ٤١] انتهى. وناهيك بهذا دلالة على قوّة فطنته ومعرفته ، رحمه الله تعالى.
رجع إلى أخبار السرخسي :
وقال في رحلته لمّا ذكر السيد أبا الربيع سليمان بن عبد الله بن أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي (٤) ، وكان في تلك المدة يلي مدينة سجلماسة وأعمالها ؛ اجتمعت به حين قدم إلى مراكش بعد وفاة المنصور يعقوب لمبايعة ولده محمد ، فرأيته شيخا بهيّ المنظر ، حسن المخبر ، فصيح العبارة باللغتين العربية والبربرية. ومن كلامه في جواب رسالة إلى ملك
__________________
(١) درج إلى رحمة الله : توفي.
(٢) انظر رفع الحجب ج ٢ ص ١٥٥.
(٣) أراد أنه ثابت ثبوت البر.
(٤) أبو الربيع سليمان بن عبد الله المتوفى سنة ٦٠٤. كان والي بجاية ، وله ديوان شعر. انظر المعجب ص ٣٧٨.