وقال أبو الفضل بن حسداي ، وكان يهوديّا فأسلم ، ويقال : إنه من ولد موسى على نبيّنا وعليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام : [البسيط]
توريد خدّك للأحداق لذّات |
|
عليه من عنبر الأصداغ لامات |
نيران هجرك للعشّاق نار لظى |
|
لكن وصالك إن واصلت جنّات |
كأنما الراح والراحات تحملها |
|
بدور تمّ وأيدي الشّرب هالات (١) |
حشاشة ما تركنا الماء يقتلها |
|
إلّا لتحيا بها منّا حشاشات |
قد كان من قبلها في كأسها ثقل |
|
فخفّ إذ ملئت منها الزجاجات |
وقد تبارى المشارقة والمغاربة من المتقدّمين والمتأخّرين في هذا الوزن والقافية ، ولو لا خوف السآمة لذكرت من ذلك الجملة الشافية الكافية.
ومن سرعة جواب أهل الأندلس أنّ ابن عبد ربه كان صديقا لأبي محمد يحيى القلفاط الشاعر ، ففسد ما بينهما بسبب أنّ ابن عبد ربه صاحب العقد مرّ به يوما وكان في مشيه اضطراب ، فقال : أبا عمر ما علمت أنك آدر (٢) إلّا اليوم لمّا رأيت مشيك ، فقال له ابن عبد ربه : كذبتك عرسك (٣) أبا محمد ، فعزّ على القلفاط كلامه ، وقال له : أتتعرّض للحرم؟ والله لأرينّك كيف الهجاء ، ثم صنع فيه قصيدة أوّلها : [البسيط]
يا عرس أحمد ، أني مزمع سفرا |
|
فودّعيني سرّا من أبي عمرا |
ثم تهاجيا بعد ذلك. وكان القلفاط يلقبه بطلاس لأنه كان أطلس اللحية ، ويسمّي كتاب «العقد» حبل الثوم ، فاتّفق اجتماعهما يوما عند بعض الوزراء ، فقال الوزير للقلفاط : كيف حالك اليوم مع أبي عمر؟ فقال مرتجلا : [السريع]
حال طلاس لي عن رائه |
|
وكنت في قعدد أبنائه (٤) |
فبدر ابن عبد ربه وقال : [السريع]
إن كنت في قعدد أبنائه |
|
فقد سقى أمّك من مائه |
فانقطع القلفاط خجلا. وعاش ابن عبد ربه ٨٢ سنة ، رحمه الله تعالى!
ومن الحكايات في مروءة أهل الأندلس ما ذكره صاحب «الملتمس» في ترجمة الكاتب
__________________
(١) الشّرب : الجماعة الشاربون.
(٢) الآدر : منتفخ الخصية.
(٣) العرس ، بكسر العين وسكون الراء : الزوجة.
(٤) في ه : «مال طلاس لي عن رأيه».