أتاني ثم حيّاني حبيب |
|
به وأباحني الخدّ الرّقيما |
فمرّ لنا مجون في فنون |
|
سلكت به الصراط المستقيما |
قلت : أما مجرّد الارتجال فأمر عن الكثير صادر ، وأما كونه مع التحدّث أو فصل الخصومات فهو نادر ، وقد حكينا منها في هذا الكتاب من القسم الأول موارد ومصادر.
ويعجبني من الواقع لأهل المشرق من ذلك قضية علي بن ظافر ، إذ قال (١) : بتّ ليلة والشهاب يعقوب ابن أخت نجم الدين في منزل اعترفت له مشيّدات القصور ، بالانخفاض والقصور ، وشهدت له ساميات البروج ، بالاعتلاء ، والعروج ، قد ابيضّت حيطانه ، وطاب استيطانه ، وابتهج به سكانه وقطّانه ، والبدر قد محا خضاب الظّلماء ، محياه (٢) في زرقة قناع السماء ، وكسا الجدران ثيابا من فضّة ، ونثر كافوره على مسك الثرى بعد أن سحقه ورضّه ، والروض قد ابتسم محيّاه ، ووشت بأسرار محاسنه ريّاه ، والنسيم قد عانق قامات الأغصان فميّلها ، وغصبها مباسم نورها فقبّلها ، وعندنا مغنّ قد وقع على تفضيله الإجماع ، وتغايرت على محاسنه الأبصار والأسماع ، إن بدا فالشمس طالعة ، وإن شدا فالورق (٣) ساجعة ، تغازله مقلة سراج قد قصر على وجهه تحديقه ، وقابله فقلنا البدر قابل عيّوقه ، وهو يغار عليه من النسيم كلّما خفق وهبّ ، ويستجيش عليه بتلويح بارقه الموشّى بالذهب ، ويديم حرقته وسهده ، ويبذل في إلطافه طاقته وجهده ، فتارة يضمّخه بخلوقه ، وتارة يحلّيه بعقيقه ، وآونة يكسوه أثواب شقيقه ، فلم نزل (٤) كذلك حتى نعس طرف المصباح ، واستيقظ نائم الصباح ، فصنعت بديها في المجلس ، وكتبت بها إلى الأعز بن المؤيد رحمه الله تعالى أصف تلك الليلة التي ارتفعت على أيام الأعياد ، كارتفاع الرءوس على الأجياد (٥) ، بل فضلت ليلات الدهر ، كفضل البدر على النجوم الزّهر : [الخفيف]
غبت عني يا ابن المؤيد في وق |
|
ت شهيّ يلهي المحبّ المشوقا |
ليلة ظلّ بدرها يلبس الجد |
|
ران ثوبا مفضّضا مرموقا |
وغدا الطّلّ فيه ينثر كافو |
|
را فيعلو مسك التراب السّحيقا |
__________________
(١) انظر بدائع البداءة ج ٢ ، ص ٢٠٦.
(٢) في ب : «وجلا محياه ..».
(٣) الورق : جمع ورقاء ، وهي الحمامة التي يميل لونها إلى الخضرة.
(٤) في ج : «فلم يزل كذلك».
(٥) الأجياد : جمع جيد ، وهو العنق.