وسجلماسة ونكور والبصرة (١) وغيرها تآليف حسانا ، ومحمد هذا أندلسي الأصل والفرع ، آباؤه من وادي الحجارة ، ومدفنه بقرطبة ، وهجرته إليها ، وإن كانت نشأته بالقيروان.
ولا بدّ من إقامة الدليل على ما أشرت إليه هنا إذ مرادنا أن نأتي منه بالمطلوب (٢) فيما يستأنف إن شاء الله تعالى ، وذلك أنّ جميع المؤرخين من أئمتنا السالفين والباقين ، دون محاشاة أحد ، بل قد تيقّنّا إجماعهم على ذلك ، متّفقون على أن ينسبوا الرجل إلى مكان هجرته التي استقرّ بها ولم يرحل عنها رحيل ترك لسكناها إلى أن مات ، فإن ذكروا الكوفيين من الصحابة ، رضي الله تعالى عنهم ، صدّروا بعلي وابن مسعود وحذيفة ، رضي الله تعالى عنهم ، وإنما سكن عليّ الكوفة خمسة أعوام وأشهرا ، وقد بقي ٥٨ عاما وأشهرا بمكة والمدينة شرّفهما الله تعالى. وكذلك أيضا أكثر أعمار من ذكرنا ، وإن ذكروا البصريين بدءوا بعمران بن حصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر وأبي بكرة ، وهؤلاء مواليدهم وعامة زمن أكثرهم وأكثر مقامهم بالحجاز وتهامة والطائف ، وجمهرة أعمارهم حلت هنالك ، وإن ذكروا الشاميين نوّهوا بعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ ومعاوية ، والأمر في هؤلاء كالأمر فيمن قبلهم ، وكذلك في المصريين عمرو بن العاص وخارجة بن حذافة العدوي ، وفي المكيّين عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ، والحكم في هؤلاء كالحكم فيمن قصصنا ، فمن هاجر إلينا من سائر البلاد ، فنحن أحقّ به ، وهو منّا بحكم جميع أولي الأمر منّا الذين إجماعهم فرض اتباعه ، وخلافه محرم اقترافه ، ومن هاجر منّا إلى غيرنا فلا حظّ لنا فيه ، والمكان الذي اختاره أسعد به ، فكما لا ندع إسماعيل بن القاسم فكذلك لا ننازع في محمد بن هانىء سوانا ، والعدل أولى ما حرص عليه ، والنصف أفضل ما دعي إليه ، بعد التفصيل الذي ليس هذا موضعه ، وعلى ما ذكرنا من الأنصاف تراضى الكلّ.
وهذه بغداد حاضرة الدنيا ومعدن كل فضيلة ، والمحلّة التي سبق أهلها إلى حمل ألوية المعارف ، والتدقيق في تصريف العلوم ، ورقّة الأخلاق والنباهة والذكاء وحدّة الأفكار ونفاذ الخواطر ، وهذه البصرة وهي عين المعمور في كل ما ذكرنا ، وما أعلم في أخبار بغداد تأليفا غير كتاب أحمد بن أبي طاهر ، وأما سائر التواريخ التي ألّفها أهلها فلم يخصّوا بلدتهم بها دون سائر البلاد ، ولا أعلم في أخبار البصرة غير كتاب عمر بن شبة ، وكتاب لرجل من واد الربيع بن زياد المنسوب إلى أبي سفيان في خطط البصرة وقطائعها ، وكتابين لرجلين من أهلها
__________________
(١) أراد بصرة المغرب وكانت قريبا من مدينة أصيلا.
(٢) في ب ، ه : «بالمطلب».