دعوة سلطان مثل المعتصم ، فصبر السميسر إلى أن ركب السلطان متوجّها إلى الدعوة ، فوقف له في الطريق ، فلمّا حاذاه رفع صوته بقوله : [البسيط]
يا أيها الملك الميمون طائره |
|
ومن لذي مأتم في وجهه عرس |
لا تفرسنّ طعاما عند غيركم |
|
إنّ الأسود على المأكول تفترس |
فقال المعتصم : صدق والله ، ورجع من الطريق ، وفسد على الرجل ما كان عمله.
ونظير هذه الحكاية (١) أن عبّاد بن الحريش كان قد مدح رجلا من كبار أصبهان أرباب الضيع والأملاك والتبع الكثير ، فمطله بالجائزة ، ثم أجازه بما لم يرضه ، فردّه عليه ، وبعد ذلك بحين عمل الرجل دعوة غرم عليها ألوف دنانير كثيرة لأبي دلف القاسم بن عيسى العجلي على أن يجيء إليه من الكرج ، ووصل أبو دلف ، فلمّا وقعت عين عبّاد عليه وهو يساير بعض خواصّه أومأ إلى ذلك السائر وأنشد بأعلى صوته : [مجزوء الخفيف]
قل له يا فديته |
|
قول عبّاد : ذا سمج |
جئت في ألف فارس |
|
لغداء من الكرج |
ما على النّفس بعد ذا |
|
في الدناءات من حرج |
فقال أبو دلف ، وكان أخوف الناس من شاعر : صدق والله ، أجيء من الكرج إلى أصبهان حتى أتغدّى بها؟ والله ما بعد هذا في دناءة النفس من شيء. ثم رجع من طريقه ، وفسد على الرجل كل ما غرمه ، وعرف من أين أتي. وتخوف أن يعود عبّاد عليه بشرّ منها ، فسيّر إليه جائزة سنيّة مع جماعة من أصحابه ، فاجتمعوا به ، وسألوه فيه ، وفي قبول الجائزة ، فلم يقبل الجائزة ، ثم أنشد بديها : [السريع]
وهبت يا قوم لكم عرضه
فقالوا : جزاك الله تعالى خيرا! فقال :
كرامة للشّعر لا للفتى
لأنه أبخل من ذرّة |
|
على الذي تجمعه في الشّتا |
انتهى.
وذكر أبو الصّلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي ما معناه (٢) : أنه عزم بمصر هو ورفقة له
__________________
(١) انظر البدائع ج ٢ ، ص ١٤٩.
(٢) انظر بدائع البداءة ج ، ص ١٥١.