على الاصطباح ، فقصدوا بركة الحبش ، في وقت ولاية الغبش ، وحلّوا منها روضا بسم زهره ، ونسم عطره ، فأداروا كؤوسا ، تطلع من المدام شموسا ، وعاينوها نجوما ، تكون لشياطين الهموم رجوما ، فطرب حتى أظهر الطرب نشاطه ، وأبرز ابتهاجه وانبساطه ، فقال : [المنسرح]
لله يومي ببركة الحبش |
|
والجوّ بين الضياء والغبش |
النّيل تحت الرياح مضطرب |
|
كصارم في يمين مرتعش |
ونحن في روضة مفوّفة |
|
دبّج بالنّور عطفها ووشي (١) |
قد نسجتها يد الغمام لنا |
|
فنحن من نورها على فرش |
فعاطني الراح إنّ تاركها |
|
من سورة الهمّ غير منتعش |
وأسقني بالكبار مترعة |
|
فهنّ أروى لشدّة العطش |
فأثقل الناس كلّهم رجل |
|
دعاه داعي الصّبا فلم يطش |
وهذا أبو الصّلت أمية من كبراء أدباء الأندلس العلماء الحكماء ، وقد ترجمناه في الباب الخامس في المرتحلين من الأندلس إلى المشرق.
وقال رحمه الله تعالى : كنت مع الحسن بن علي بن تميم بن المعز بن باديس بالمهدية في الميدان ، وقد وقف يرمي بالنشاب ، فصنعت فيه بديها : [السريع]
يا ملكا مذ خلقت كفّه |
|
لم تدر إلّا الجود والباسا |
إنّ النجوم الزّهر مع بعدها |
|
قد حسدت في قربك الناسا |
وودّت الأملاك لو أنها |
|
تحوّلت تحتك أفراسا (٢) |
كما تمنّى البدر لو أنه |
|
عاد لنشّابك برجاسا (٣) |
وصنع الوزير أبو جعفر أحمد الوقشي وزير الرئيس أبي إسحاق بن همشك صهر الأمير أبي عبد الله محمد بن مردنيش في غلام أسود في يده قضيب نور بديها : [الوافر]
وزنجيّ أتى بقضيب نور |
|
وقد زقّت لنا بنت الكروم |
فقال فتى من الفتيان صفها |
|
فقلت الليل أقبل بالنجوم (٤) |
__________________
(١) مفوّفة : مزركشة. ودبّج : زوّق. ووشي : زين ونقش وحسّن بالألوان.
(٢) في ب : «وودّت الأفلاك ..».
(٣) البرجاس : هدف يوضع على شيء مرتفع ليرمى جمع براجيس.
(٤) في ه : «فقال فتى من الفتيان صفه».