يسمّى أحدهما عبد القاهر كريزي النسب وصفاها وذكرا (١) أسواقها ومحالها وشوارعها ، ولا أعلم في أخبار الكوفة غير كتاب عمر بن شبة ، وأمّا الجبال وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان والسّند (٢) وأرمينية وأذربيجان وتلك الممالك الكثيرة الضخمة فلا أعلم في شيء منها تأليفا قصد به أخبار ملوك تلك النواحي ، وعلمائها وشعرائها وأطبائها ، ولقد تاقت النفوس (٣) إلى أن يتّصل بها تأليف في أخبار فقهاء بغداد ، وما علمناه علم ، على أنهم العلية الرؤساء ، والأكابر العظماء ، ولو كان في شيء من ذلك تأليف لكان الحكم في الأغلب أن يبلغنا كما بلغ سائر تآليفهم ، وكما بلغنا كتاب حمزة بن الحسن الأصبهاني في أخبار أصبهان ، وكتاب الموصلي وغيره في أخبار مصر ، وكما بلغنا سائر تآليفهم (٤) في أنحاء العلوم ، وقد بلغنا تأليف القاضي أبي العباس محمد بن عبدون القيرواني في الشروط ، واعتراضه على الشافعي رحمه الله تعالى ، وكذلك بلغنا ردّ القاضي أحمد بن طالب التميمي على أبي حنيفة وتشيعه (٥) على الشافعي ، وكتب ابن عبدوس (٦) ومحمد بن سحنون وغير ذلك من خوامل تآليفهم (٧) دون مشهورها.
وأما جهتنا فالحكم في ذلك ما جرى به المثل السائر «أزهد الناس في عالم أهله» ، وقرأت في الإنجيل أنّ عيسى ، عليه السلام قال : «لا يفقد النبيّ حرمته إلّا في بلده» وقد تيقنّا ذلك بما لقي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، من قريش ـ وهم أوفر الناس أحلاما ، وأصحّهم عقولا ، وأشدّهم تثبّتا ، مع ما خصّوا به من سكناهم أفضل البقاع ، وتغذيتهم بأكرم المياه ـ حتى خصّ الله تعالى الأوس والخزرج (٨) بالفضيلة التي أبانهم (٩) بها عن جميع الناس ، والله يؤتي فضله من يشاء ؛ ولا سيما أندلسنا فإنها خصّت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم الماهر منهم ، واستقلالهم
__________________
(١) في ب : «في صفاتها وذكر أسواقها ومحالها وشوارعها» وفي ه «في وصفها وذكر أسواقها ومحالها ..» وقد أثبتنا مما في أ.
(٢) في ب : «وسجستان والري والسند ..».
(٣) تاقت النفوس : اشتاقت.
(٤) في ب : «تواليفهم».
(٥) الصواب أنه عبد الله بن أحمد بن طالب. انظر علماء إفريقية : ٢٥٧ ، ٢٩٧.
(٦) انظر علماء إفريقية : ١٨٢.
(٧) كذا في أ، ب. وفي ه «حواصل تأليفهم».
(٨) الأوس والخزرج : أهم أهل المدينة المنورة الذين هاجر إليهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم فكان لهم شرف إيوائه ونصرته ودعوا بعدئذ الأنصار.
(٩) أبانهم : أي ميزهم وأظهرهم.