كثير ما يأتي به ، واستهجانهم حسناته ، وتتبّعهم سقطاته وعثراته ، وأكثر ذلك مدّة حياته ، بأضعاف ما في سائر البلاد ، إن أجاد قالوا : سارق مغير ومنتحل مدّع ، وإن توسّط قالوا : غثّ بارد وضعيف ساقط ، وإن باكر الحيازة لقصب السّبق قالوا : متى كان هذا؟ ومتى تعلّم؟ وفي أي زمان قرأ؟ ولأمّه الهبل! وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقين إمّا شفوفا بائنا يعليه على نظرائه أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها فهنالك حمي الوطيس على البائس ، وصار غرضا للأقوال ، وهدفا للمطالب ، ونصبا للتسبّب إليه ، ونهبا للألسنة ، وعرضة للتطرق إلى عرضه ، وربما نحل ما لم يقل ، وطوّق ما لم يتقلّد ، وألحق به ما لم يفه به ولا أعتقده قلبه ، وبالحرى وهو السابق المبرّز إن لم يتعلّق من السلطان بحظّ أن يسلم من المتالف وينجو من المخالف ، فإن تعرّض لتأليف غمز ولمز ، وتعرّض وهمز ، واشتطّ عليه ، وعظم يسير خطبه ، واستشنع هين سقطه ، وذهبت محاسنه ، وسترت فضائله ، وهتف ونودي بما أغفل ، فتنكسر (١) لذلك همّته ، وتكلّ نفسه ، وتبرد حميّته ، وهكذا عندنا نصيب من ابتدأ يحوك شعرا ، أو يعمل بعمل رياسة (٢) ، فإنه لا يفلت من هذه الحبائل ، ولا يتخلّص من هذه النّصب إلّا الناهض الفائت والمطفّف المستولي على الأمد.
وعلى ذلك فقد جمع ما ظنّه الظانّ غير مجموع ، وألّفت عندنا تآليف في غاية الحسن ، لنا خطر السبق في بعضها : فمنها كتاب «الهداية» لعيسى بن دينار (٣) ، وهي أرفع كتب جمعت في معناها على مذهب مالك وابن القاسم ، وأجمعها للمعاني الفقهيّة على المذهب ، فمنها كتاب الصلاة وكتاب البيوع وكتاب الجدار في الأقضية وكتاب النكاح والطلاق ، ومن الكتب المالكية التي ألّفت بالأندلس كتاب القطنيّ مالك بن علي (٤) ، وهو رجل قرشي من بني فهر ، لقي أصحاب مالك وأصحاب أصحابه ، وهو كتاب حسن فيه غرائب ومستحسنات من الرسائل المولدات ، ومنها كتاب أبي إسحاق إبراهيم بن مزين في تفسير الموطأ والكتب المستقصية لمعاني الموطأ وتوصيل مقطوعاته من تآليف ابن مزين أيضا ، وكتابه في رجال الموطأ وما لمالك عن كلّ واحد منهم من الآثار في موطّئه.
وفي تفسير القرآن كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد فهو الكتاب الذي أقطع قطعا لا
__________________
(١) في ب ، ه : «فتنكس لذلك همته».
(٢) في ب ، ه : «أو يعمل رسالة».
(٣) هو عيسى بن دينار بن واقد الغافقي (انظر الجذوة : ٢٨٩).
(٤) هو مالك بن علي بن مالك بن عبد الله بن قطن الفهري ، ولذلك يقال له القطني (انظر الجذوة : ٣٢٤) ، وفي أ، ه «القصي» وهو تحريف.