عزموا على الغزو ، وأنا إن شاء الله تعالى ماض معهم ، ثم احتال في سيف ورمح وتوجّه معهم ، وقال : نفسي هي التي قتلتني بهواها ، أفلا أقتصّ منها فأقتلها؟ قال : فقلت لها : من خلّف للنظر في شأنكم؟ فقالت : ليس ذلك لك ، فالذي خلفنا له لا نحتاج معه (١) إلى غيره ، فأدركني من جوابها روعة ، وعلمت أنها مثله زهدا وصلاحا ، فقلت : إني قريبه ، ويجب عليّ أن أنظر في حالكم بعده ، فقالت : يا هذا ، إنك لست بذي محرم ، ولنا من العجائز من ينظر منّا ويبيع غزلنا ويتفقّد أحوالنا ، فجزاك الله تعالى عنّا خيرا ، انصرف عنّا مشكورا ، فقلت لها : هذه دراهم خذوها لتستعينوا بها (٢) ، فقالت : ما اعتدنا أن نأخذ شيئا من غير الله تعالى ، وما كان لنا أن نخلّ بالعادة ، فانصرفت نادما على ما فاتني من الاستكثار من شعر الشيخ والتبرّك بزيادة دعائه ، ثم عدت بعد ذلك لداره سائلا عنه ، فقالت لي المرأة : إنه قد قبّله الله تعالى ، فعلمت أنه قد قتل ، فقلت لها : أقتل؟ فقرأت (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٩] ـ الآية فانصرفت معتبرا من حاله ، رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا به!.
وكانت للمروانيين بالأندلس يد عليا ، في الدين والدنيا. انتهى.
وقال محمد بن أيوب المرواني ، لمّا كلّف قوما حاجة له سلطانية فما نهضوا بها فكلّفها رأس بني مروان القائد سعيد بن المنذر ، فنهض بها : [الوافر]
نهضت بما سألتك غير وان |
|
وقد صعبت لسالكها الطريق |
وليس يبين فضل المرء إلّا |
|
إذا كلّفته ما لا يطيق |
وعتبه يوما سعيد بن المنذر في كونه يتعرّض لمدح خدام بني مروان ، فقال له : أعزّ الله تعالى القائد الوزير! إنكم جعلتموني ذنبا وجعلوني رأسا ، والنفس تتوق إلى من يكرمها وإن كان دونها أكثر منها إلى من يهينها (٣) وإن كان فوقها ، وإني من هذا وهذا في أمر لا يعلمه إلّا الله الذي بلاني به (٤) ، ويا ويح الشجيّ من الخليّ ، وأنا الذي أقول فيما يتخلّل هذا المنزع : [الطويل]
نسبت لقوم ليتني نجل غيرهم |
|
فلي نسب يعلو وحظّي يسفل |
أقطّع عمري بالتعلّل والمنى |
|
وكم يخدع المرء اللبيب التّعلّل |
فما لي مكان أرتضيه لهمّة |
|
ولا مال منه أستعفّ وأفضل |
__________________
(١) في ه : «ولا يحتاج معه إلى غيره».
(٢) في ب ، ه : «خذوها تستعينوا بها».
(٣) في أ : «أكثر ممن يهينها».
(٤) في ه : «لا يعلمه إلّا الذي أبلاني به».