ولكنني أقضي الحياة تجمّلا |
|
وهل يهلك الإنسان إلّا التّجمّل |
فقال له سعيد : قصدنا لومك فعطفت اللائمة علينا ، ونحن أحقّ بها ، وسننظر ، إن شاء الله تعالى ، فيما يرفع اللوم عن الجانبين ، ثم تكلّم مع الناصر في شأنه ، فأجرى له رزقا أغناه عن التكفّف ، فكانت هذه من حسنات سعيد وأياديه.
وقال المطرف بن عمر المرواني يمدح المظفر بن المنصور بن أبي عامر : [الكامل]
إنّ المظفّر لا يزال مظفرا |
|
حكما من الرحمن غير مبدّل |
وهو الأحقّ بكلّ ما قد حازه |
|
من رفعة ورياسة وتفضّل |
تلقاه صدرا كلّما قلّبته |
|
مثل السنان بمحفل وبجحفل (١) |
وحضر يوما مع شاعر الأندلس في زمانه ابن دراج القسطلّي ، فقال له القسطلي : أنشدني أبياتك التي تقول فيها : [الطويل]
على قدر ما يصفو الخليل يكدّر
فأنشده : [الطويل]
تخيّرت من بين الأنام مهذّبا |
|
ولم أدر أني خائب حين أخبر |
فمازجني كالراح للماء ، واغتدى |
|
على كلّ ما جشّمته يتصبر (٢) |
إلى أن دهاني إذ أمنت غروره |
|
سفاها ، وأدّاني لما ليس يذكر |
وكدّر عيشي بعد صفو ، وإنما |
|
على قدر ما يصفو الخليل يكدّر |
فاهتزّ القسطلّي وقال : والله إنك في هذه الأبيات لشاعر ، وأنا أنشدك فيما يقابلها لبلال بن جرير : [الكامل]
لو كنت أعلم أنّ آخر عهدهم |
|
يوم الفراق فعلت ما لم أفعل |
ولكن جعل نفسه فاعلا وعرّضت نفسك لأن يقال : إنك مفعول ، فقال : ومن أين يلوح ذلك؟ فقال القسطلي : من قولك «وأدّاني لما ليس يذكر» فما يظنّ في ذلك إلّا أنه (٣) أداك إلى موضع فعل بك فيه ، فاغتاظ الأموي وقال : يا أبا عمر ، ومن أين جرت العادة بأن تمزح معي في هذا الشأن؟ فقال له : حلم بني مروان يحملنا على أن نخرق العادة في الحمل على مكارمهم ، فسكن غيظه.
__________________
(١) الجحفل : الجيش الجرار.
(٢) جشّمته : كلّفته ، حملته.
(٣) في ه : «إلا أنك أداك» وليس بشيء.