وكتب المرواني المذكور إلى صاحب له يستعير منه دابّة يخرج عليها للفرجة والخلاعة : أنهض الله تعالى سيدي بأعباء المكارم ، إنّ هذا اليوم قد تبسّم أفقه ، بعد ما بكى ودقه (١) ، وصقلت أصداء أوراقه ، وفتّحت حدائق أحداقه (٢) ، وقام نوره خطيبا على ساقه ، وفضّضت غدرانه ، وتوّجت أغصانه ، وبرزت شمسه من حجابها ، بعد ما تلفّعت بسحابها ، وتنبّه في أرجاء الروض أرج النسيم ، وعرف في وجهه (٣) نضرة النعيم ، وقد دعا كلّ هذا ناظر أخيك إن أن يجيله في هذه المحاسن ، ويجدّد نظره في المنظر الذي هو غير مبتذل والماء الذي هو غير آسن (٤) ، والفحص اليوم أحسن ما ملح ، وأبدع ما حرن فيه وجمح ، فجد لي بإعارة ما أنهض عليه لمشاهدته ويرفع عني خجل الابتذال ، بمناكب (٥) الأنذال ، لا زلت نهّاضا بالآمال ، مسعفا بمراد كلّ خليل غير مقصّر ولا آل (٦).
وكتب الأمير هشام بن عبد الرحمن إلى أخيه عبد الله المعروف بالبلنسي حين فرّ كتابا يقول في بعض فصوله : والعجب من فرارك دون أن ترى شيئا.
فخاطبه بجواب يقول فيه : ولا تتعجّب من فراري دون أن أرى شيئا ؛ لأنني خفت أن أرى ما لا أقدر على الفرار بعده ، ولكن تعجب مني أن حصلت في يدك بعد ما أفلتّ منك.
وقال له وزيره أحمد بن شعيب البلنسي : أليس من العار أن يبلغ بك الخور من هذا الصبي أن تجعل بينك وبينه البحر ، وتترك بلاد ملكك وملك أبيك؟ فقال : ما أعرف ما تقول ، وكل ما وقي به إتلاف النفس ليس بعار ، بل هو محض العقل ، وأوّل ما ينظر الأديب في حفظ رأسه ، فإذا نظر في ذلك نظر فيما بعده.
وقال عبد الله بن عبد العزيز الأموي ويعرف بالحجر (٧) : [البسيط]
اجعل لنا منك حظّا أيها القمر |
|
فإنما حظّنا من وجهك النظر |
رآك ناس فقالوا إنّ ذا قمر |
|
فقلت كفّوا فعندي منهما الخبر |
البدر ليس بغير النّصف بهجته |
|
حتى الصباح وهذا كلّه قمر |
وقال أبو عبد الله محمد بن محمد بن الناصر يرثي أبا مروان بن سراج : [الطويل]
__________________
(١) الودق : المطر.
(٢) في ب ، ه : «حدائقه».
(٣) في ه : «وعرف في وجوهه».
(٤) ماء آسن : متغيّر من ركودة أو مما خالطه.
(٥) في ب : «بمناكفة الأنذال».
(٦) آل : مقصّر ، وهو اسم فاعل من ألا فلان يألو فهو آل.
(٧) انظر الجذوة : ص ٢٤٤.